سلبسترس ذرعوني متروبوليت ديار بكر ومابين النهرين
احد خيرة احبار الكرسي الانطاكي المقدس واشد رعاتها غيرة على الكنيسة الانطاكية الرسولية في كل مكان خدم فيه
وكان خير راع في ابرشية كيليكيا الشهيدة وهو ارشمندريت، ولفضل رعايته لها اختاره المجمع الانطاكي المقدس برعايته البطريرك العظيم ليكون راعيا لابرشية بعيدة فقيرة تحتاج الى راع استثنائي يقودها روحيا ويعمر نفوس ابناء رعيتها في بقعة جغرافية شاسعة ممتدة من منطقة الجزيرة السورية العليا الى الجزيرة الحالية وامتداها الى العراق المسماة مابين النهرين…
في فترة قصيرة استطاع ما امكن من احياء يباس حقلها الرعائي وانجز عمرانا كنسيا ومؤسساتيا بتدبير الله وبالرغم من معاندة معاندين في الابرشية لم يرق لهم ذاك العهد الذي تتوج بعد جهاد انطاكي عظيم باعتلاء عرش الرسولين بطرس وبولس حبر قل نظيره هو البطريرك ملاتيوس الدوماني الدمشقي الذي وبكل اسف كان عهده الاصلاحي قصيرالامد وكان زمن علمنا المتروبوليت سلبسترس تلميذه النجيب قصيرا لم يطول كثيرا عن زمن بطريركية معلمه فقضى ماسوفا عليه ولفترة مماثلة عبارة عن سبع سنوات…

فكما بكت انطاكية معلمه بكته هو حيث تشير الوثائق الى بكاء غامر ذرفه البطريرك غريغوريوس على هذا اراعي الصالح وكان الحزن طاغيا في عموم ابرشية ديار بكر وحتى ان معارضيه احسوا برزء فقده في ابرشية يعد الارثوذكس فيها اقلية امام ابناء الكنائس الاخت الذين بكوه اكثر وافتقدوه لرجولته وقيادته الحقة ومحبته للجميع في ظروف قهر عثماني فكان قائدا لكل المكونات المسيحية في هذه المنطقة البعيدة عن مراكز الدعم من كل رئاسة روحية…
واساسا لم يطل عمر هذه الابرشية بعده كثيرا حيث خلفه مجاهد انطاكي مماثل هو المتروبوليت ملاتيوس قطيني الدمشقي خلفه في الحكمة والصبر والتدبير والصمود في وجه رياح التعصب والاقتلاع والافناء، وقضت الابرشية منذ عام 1910..
لقد كابدت الابرشية المشقات لكنه كان الحامي والمدافع الصلب، ثم استشهدت…! كما استشهدت لاحقا ابرشية كيليكيا وزامنتها في الاستشهاد ابرشية ارضروم بالمجازر التركية- الكردية بكل مكوناتها المسيحية من روم ارثوذكس يونان وسوريين وابناء الكنائس الشرقية الاخت من سريان وارمن واشوريين وكلدان… وتحولت كنائسها الى مساجد وزرائب ومنها المتداعية بحيث تساقطت من تلقاء ذاتها. وتم الاستيلاء على مدارسها وبيوت رعاياها ومزارعهم وارزاقهم… واستشهدت هذه الابرشيات الثلاث… فحق لها ان تدعى بالابرشيات الانطاكية الشهيدة.
من هو المتروبوليت سلفستروس؟

نبذة في السيرة الذاتية
بحثنا كثيرا عن سيرته الذاتية وبكل اسف لم نجد الا هذه النبذة التي اوردتها دورية المحبة التي كانت تصدرها مطرانية بيروت الارثوذكسية برعاية مؤسسها المتروبوليت القامة غفرئيل شاتيلا الدمشقي، وحاولنا الاستعانة بما حوته الوثائق البطريركية في ابرشيتي كيليكيا وديار بكر وتحدثت عن جهاده الموصوف في سبيلهما وجهاد الابرشيتين بقيادته ومن خلفه الى حين استشهادهما دون ان تتعرض لمفاصل سيرته. وهنا نسجل اساسا عظيم التقدير لدورية المحبة وسواها من الدوريات الارثوذكسية المعاصرة كالمنار البيروتية والنعمة البطريركية والصخرة الانطاكية التي كانت تصدر في مصر وبرعاية الكرسي الاسكندري فهم الذين شكلوا ما امكن الذاكرة الانطاكية عن الاعلام والانجازات ايجابا وسلبا واليوميات لموثوقيتها…ونعتذر عن رداءة صورة علمنا فهي هكذا من المصدر ولكنها تبقى افضل من عدم وجودها.
هو سليم بن ابراهيم بن حنا ذرعوني(1) ووالدته السيدة حوّا بنت وهبة الله غريب.
وآل ذرعوني من العائلات الارثوذكسية المتجذرة في محلة ميناء طرابلس، بينما عائلة والدته غريب من عائلات طرابلس المدينة الغيورة على ارثوذكسيتها ككل ابناء ابرشية طرابلس والكورة.
ولد علمنا في 8 حزيران السنة 1854 في بيت العائلة في محلة الميناء ( اسكلة طرابلس)، وتربى في جو ايماني حار ممارس الايمان في البيت وتربى على طهارة السيرة والاخلاق النقية، وكان منذ حداثته منكباً على مطالعة أخبار القديسين ميالاً الى العيشة الرهبانية حتى انه كثيرا ماكان يهرب من والديه الى الاديرة الارثوذكسية المجاورة، وما اكثرها في ابرشية طرابلس والكورة، بقصد التوحد والنسك الرهباني، الا انهما كانا يرجعانه بالقوة، ويتهددانه بعنف للاقلاع عن هذا العزم نظرا لصغر سنه وعدم كفاءته.
بعد ان تلقى مبادىء العربية والفرنسية في مدرسة الميناء/طرابلس الارثوذكسية، ارسله والداه الى بيروت ليتقن علومه في المدرسة الوطنية الزاهرة في ذلك العهد، فحضر اليها وانهى دروسه فيها ثم عاد الى وطنه مصمما النية على الترهب، فحصل على موافقة والديه ورضاهما على عزمه المحمود، وتوجه بإذنهما الى دير سيدة البلمند البطريركي، حيث توشح بالاسكيم الرهباني على يد معلمه الارشمندريت ايروثيوس رئيس الدير آنذاك، وكان ذلك في 16 كانون الثاني سنة 1880، ودُّعيَ اسمه سلبسترس، وفي 2 كانون الثاني سنة 1883 رُسم شماساً انجيلياً بيد مطران عكار خريسندوس اليوناني، فلبى الدعوة بخضوع وسار الى دمشق منتميا الى حاشية البطريرك ايروثيوس اليوناني (1850-1885) فخدم غبطته بإخلاص سنة كاملة، نال فيها التفاته الخاص، ومحبته ومحبة الجميع، ثم اضطرته احواله الصحية الى ترك الخدمة في الصرح البطريركي بدمشق توقا الى العودة للحياة الرهبانية مستأذنا من البطريرك ايروثيوس الذي اذن له بالعودة الى دير سيدة البلمند دير رهبنته الاساس، حيث أقام ناسكاً متعبداً.

وبعد وفاة البطريرك ايروثيوس 1885 اعتلى السدة الانطاكية البطريرك جراسيموس اليوناني من رهبنة القبر المقدس الاورشليمية كسلفه البطريرك ايروثيوس، فدعاه ليرافقه كشماس في زيارته الى اللاذقية فقام بخدمة غبطته كعادته خير قيام. ثم عاد مجدداً الى ديره، وبعد مدة ورده الأمر البطريركي بالذهاب الى مطرانية طرابلس ليكون شماس مطرانها غريغوريوس حداد، فحضر اليها وقام كعادته بالخدمة المحمودة، وفي اثنائها دعاه ارثوذكس مدينة طرسوس في كيليكيا لخدمة شؤونهم الروحية، ونظراً لما كان يعلمه معلمه البطريرك جراسيموس من نشاط علمنا واقتداره أمره بإجابة طلب رعية طرسوس، فذهب اولا الى مدينة الاسكندرونة حيث رسمه مطران كيليكيا وقتئذ جرمانوس اليوناني (تولى قائمقام الكرسي الانطاكي عام 1898 بعد استقالة آخر البطاركة اليونان اسبريدون) بتاريخ 12 ايار 1890 ومنها ذهب بمعية المطران الى طرسوس فأقام على خدمة ابنائها بنشاط وغيرة وتقوى تركت له بينهم اجمل الأثر، وزرعت محبته في قلوب الجميع، وقد قدره مطرانه على ذلك فرقاه الى رتبة ارشمندريت فزاد نشاطه الرعوي في خدمة ابرشية كيليكيا سواء في طرسوس وفي مرسين مازاد في لفت انتباه الى هذه الغيرية.

انتخابه متروبوليتا
في 12 آذار 1900 ابلغه البطريرك ملاتيوس الدوماني الذي اعتلى السدة الانطاكية 1898 وصدرت له البراءة البطريركية بطريركا على الكرسي الانطاكي عام 1899 ابلغه برقيا بقرار المجمع الانطاكي المقدس بانتخابه بالاجماع مطراناً على ابرشية دياربكر، فأبدى علمنا خضوعه لقرار المجمع ورفع الشكر الى غبطته وآباء المجمع، واستدعاه على جناح السرعة، فأحنى عنقه لمشيئة الرب، ولما انتهى الخبر الى رعية طرسوس جاءته الرعايا مهنئة وآسفة على فراقه ورفعوا عرائض الشكر الى غبطة البطريرك ملاتيوس على اختيار هذا الراعي الجليل، مبينين فيه امتنانهم على صادق خدمته لهم وغيرته على مصالحهم الروحية والاجتماعية لمدة عشر سنوات.
وصل الى دمشق مساء الاربعاء 22 ايار 1900 وفي يوم السبت 25 منه رسمه غبطة البطريرك ملاتيوس في الكاتدرائية المريمية باحتفال بهيج جدا مطرانا على ابرشية ديار بكر ومابين النهرين وعاونه في خدمة الرسامة السادة نيقوديموس مطران عكار وغريغوريوس مطران طرابلس وارسانيوس مطران اللاذقية.
وبعد اتمام الرسامة اعلن غبطته علمنا متروبوليتا لأبرشية ديار بكر وضجت الكاتدرائية بالتصفيق والبهجة تقديرا لهذا الحبر الجليل، ونقل البرق ومراسلي الصحف وصفا لهذه الرسامة فانهالت برقيات وعرائض الامتنان الى غبطته كما تتحدث الوثائق البطريركية.

الى ابرشيته
طلب علمنا الاذن من غبطته بأن يتوجه الى طرسوس لانهاء اموره فيها وتصفية اعماله ووصلها وسط ترحيب وسعادة رعيتها وفي المقابل رفض متروبوليتها جرمانوس الرافض للعهد الجديد الممثل بالبطريرك ملاتيوس لأنه كان يريد البطريركية له وقد حاول علمنا مزودا من غبطته مساعيه الحميدة لاقناعه بالخضوع مع مطران حلب…
وقد ودعته الرعية وداعا حميميا ومنها تابع سيره الى ابرشيته فوصل الى قاعدتها ارغني معدن في 13 ايلول 1900 واستقبل استقبالا حافلا من رعيته ورؤساء الكنائس الشقيقة ومسؤولين حكوميين وبعد ايام الاستقبال الرسمية قام برد الزيارات الرسمية الى والي الولاية والمسؤولين العسكريين والمدنيين كالعادة ورؤساء الطوائف المسيحية…
وما استقر به المقام في ابرشيته حتى باشر اعمال رسالته الاسقفية بنشاطه المعهود وغيرته المعروفة، فقام بجملة اصلاحات ووجه اهتمامه الى الكنائس والمدارس فعظمت محبة ابنائه له وثقتهم به التي كانوا قد بنوها على ماتناهى لاسماعهم عن خدمته في كل مكان وخاصة في طرسوس وكان واقع ابرشيته في ديار بكر مماثل تماما لواقع طرسوس حيث الغلبة فيها للعنصر اليوناني والعنصر التركي الارثوذكسي على الغلبة السورية الارثوذكسية اضافة الى الاكثرية المسيحية هناك للسريان والارمن وبقية ابناء الكنائس الشرقية الاخرى، والسواد الاعظم في الابرشية والولاية هم من الاتراك والاكراد، فبرزت مواهبه القيادية في النجاح ما امكنه من حسن العلاقات مع كل هذه المكونات لمافيه خير ابرشيته والارتقاء بها بعد زمن كبير من الوضع السلبي في الحياة الروحية ومؤسسات الكنيسة… وبالرغم من صغر مدة مطرانيته ومن قحط الموارد الشديد ومعاندة الفريق المعاند له من يونان واتراك ابرشيته الرافضين للعهد الوطني على السدة الانطاكية والمتمثل بعرائض وشكاوي متتالية مرفوعة الى غبطته يتهمونه بسوء الادارة ولجوء البعض الى تغيير المذهب كما في الوثائق البطريركية والتي يتبين للباحث انها مجرد شكايات كيدية لمعارضته في اي شيء ينوي القيام به ومثال انه خصص واردات كاتدرائية مار قزما لبناء كنيسة القديس جاورجيوس في ارغني معدن فجوبه بمعارضة شديدة من بعض اعضاء المجلس الملي …
ونشير الى انه وبسبب فقر ابرشيته الشديد لعدم وجود اوقاف تدر ريعية وقلة عدد رعيته وتواضع امكانيات افرادها المالية فق خصه غبطة البطريرك ملاتيوس ومن ثم خليفته البطريرك غريغوريوس بمساعدة شهرية كثيرا ماحالت الظروف دون وصولها في وقتها ونراه يستنجد دوما بغبطته لاسعافه وكان يتوجه دوما كبقية المطارنة الى الاستنجاد بالقنصل الروسي ليساعده لدى المجمع الروسي المقدس.
مع كل هذه المعوقات وكبر الرقعة الجغرافية لابرشيته وتضاريسها الوعرة وتغلغل القرى المسيحية في اوساط كردية معادية وتناثر رعاياه بينها واستحالة القيام بزيارات دورية لهم اضافة الى شمولية بلاد مابين النهرين ونشوء رعية ارثوذكسية في الموصل كانت في الاصل سريانية واعتنقت الارثوذكسية وهي فقيرة وتحتاج الى دعم بكل شيء وراعيها الارشمندريت قطان يحتاج الى تدريب وتأهيل في الخدمة الليتورجية الارثوذكسية وفي ايجاد كنيسة ومقبرة ومدرسة لهذه الرعية الفقيرة…

ونورد امثلة بسيطة من معاناة هذا المجاهد الانطاكي الصابر كما توضح رسائله الى البطريرك بدمشق وتحتاج الى شهور لتصل والمحفوظة في الوثائق البطريركية بدمشق…
حيث نرى فقره وفقر ابرشيته ومعاندة البعض من رعيته لمشاريعه النهضوية ومعاكسة ارباب السلطة له وتدخل القنصل الروسي لدعمه لديها وتسيير امور الابرشية
عمل في بناء كنيسة القديس جاورجيوس وتوقف لنقص المال بعدما صرف عليها 300 ليرة عثمانيةمن بقايا ايرادات كنيسة مار قوزما.
في كتابه الى البطريرك غريغوريوس الوارد اليه في 31 تشرين اول شرقي 1906 يخبر غبطته ان الشماس ( ويقصد ثيودوسيوس ابو رجيلي (البطريرك من 1958-1970) قد وصل اليه وقام بوضعه في كنيسة السريان الارثوذكس المجاورة حيث انه طري العود ومهذب ويخشى من وضعه في مدرسة عامة ليتعلم التركية خوفا عليه مشيداً بأخلاقه ودماثته ويتابع تحصيله للتركية والسريانية ويقوم هو بتأهيله في الترتيل والوظ خلال اقامته في دار المطرانية، ويعرض للبطريرك غريغوريوس عدم تنفيذه مشروع ترميم دار المطرانية في ارغني معدن المتداعي والمخجل امام الطوائف الاخرى وجمال دور مطرانياتها وكنائسها، ويشير الى مضي اربع سنوات حيث اصحاب الغايات دفعوا بالسلطات في الولاية الى توقيف العمار كيدياً…!

وبرسائل اخرى يرجو غبطته اصدار موافقات رسمية على مشاريعه لصالح الابرشية ومن اهمها احداث مدرستين منها واحدة للبنات في ديار بكر وثانية للذكور في الموصل.
ويظهر اهتمامه الشديد بالكنيسة ( الرعية) الارثوذكسية الجديدة الناشئة في الموصل برئاسة الارشمندريت كيرلس قطان ورعيته ذات الاصل السرياني وقد اعتنقت الارثوذكسية مع الارشمندريت كيرلس حبا بالارثوذكسية وقد ارسل لهم المعلم الياس عيسى معلم المدرسة في ارغني معدن ليقوم بالترتيل في الكنيسة بالموصل وليساعد الارشمندريت كيرلس الراعي في الخدمة الطقسية حيث يحتاج الى تدريب وتأهيل كونه يحتاجها والمعلم من العارفين بها.
ويبشر غبطته بحصوله على فرمان شاهاني لأجل بناء كنيسة ارثوذكسية لهذه الرعية بديلا من بيت الارشمندريت كيرلس في الموصل، وان الحكومة في الموصل منحت رعيته ارضا لاحداث مقبرة ارثوذكسية كبقية الطوائف.
وفاته وجنازه
في صباح الاثنين في 22 ك2 /1907 اصيب علما بحمى تيفية ثقيلة الوطأة لم تفلح في علاجها كل مهارات الأطباء وكان يردد دوما عبارةبملء الفرح والرجاء ” يارب اقبل اتعابي كفارة عن خطاياي الكثيرة” واستمر المرض الى يوم الخميس 11 شباط في الساعةالحادية عشرة والنصف ظهرا طلب ان يتناول الزاد الالهي ويتمم واجباته الدينية وعندما تناول” الهي في يديك استودع روحي” الى ان قضى مأسوفا على شبابه وعمره 53 سنة، وارتفعت نفسه الطاهرة الى ملاقاة من طالما اشتاقت اليه لأنه كثيرا ماكان يردد عبارة النبي القائلة: “متى اجيء واظهر امام وجه الله”.
ارتقت روحه الى باريها وأخذت اجراس كنيستنا اليتيمة بوفاة ابيها وراعيها تقرع نغمات الحزن، وتبعتها على الفور اجراس كنيستي السريان الارثوذكس والارمن الارثوذكس وخيم الحزن على عموم الرعية الارثوذكسية والكنائس الشقيقة.
وكالعادة تم الباس الفقيد حلة رئاسة الكهنوت بعد اجراء كل ما تأمره القوانين الكنسية وتم اجلاسه على كرسيه الاسقفي وبيده الواحدة الصليب المقدس وبيده الاخرى الانجيل الشريف ثم انزل من دار المطرانية محمولا على ايدي كهنتنا وكهنة السريان الارثوذكس الى الكنيسة الكاتدرائية حيث لبث كل نهار الخميس الى نصف نهار الجمعة تزوره الالوف من كل الرعايا والكنائس وتتبرك بلثم يمينه وتنوح وتندب ملاكا بجسم انسان.
ثم ارسلت النعوات الى كل من والي ديار بكر والمشيرية العسكرية والقناصل ومطارنة السريان الارثوذكس والارمن الارثوذكس والكاثوليك والكلدان والروم الكاثوليك والرهبان الكبوشيين والبروتستانت. وتم تعيين موعد الدفن يوم الجمعة في 22 شباط 1907
منذ صباح الباكر يوم الجمعة توافد كل المسيحيين من كل الكنائس يتقدمهم احبارهم ومعهم تلاميذ مدارسهم بشارات الحزن السوداء للاشتراك في صلاة الجنازة وتقدم الجميع معاون الوالي مينا افندي وقناصل الدول.
وبعد انتهاء القداس الالهي اقيمت صلاة الجنازة وبعدها قام ربيبه الشماس ثيودوسيوس ابو رجيلي وابنه بكلمة مؤثرة اظهر فيها فضائل الفقيد ومآثره وجهاده بمسيرة شملت رعيته الملتاعة وكل رعايا الكنائس الاخرى التي شاركت الكنيسة الارثوذكسية لوعتها وحزنها وبعد انتهاء مراسم الجناز وفق الطقس الارثوذكسي تلاه مرخص الارمن الارثوذكس واقام صلاةالجناز وفق الطقس الارمني لراحة نفس الفقيد وقدم التعزية لشقيقة علمنا الانسة اسما ذرعوني سائلا الرب يسوع ان يسكب عليها وعلى الرعية الارثوذكسية بفقد الراعي الامين نعمة الصبر الجميل في هذه الديار البعيدة، ثم تلاه الراهب الياس شاكر وكيل البطريركية السريانية الارثوذكسة في اقامة صلاة الجناز وفق الطقس السرياني وابنه بكلمة بليغة اظهر فيها ان طائفة السريان الارثوذكس لها الحق ان تحزن على هذا الراعي الغيور اكثر من كل طائفة سواها لأنها رأت من افضاله والتفاته وعنايته ما لا يقل عن عناية رؤسائها بها ورعايته الكثير من الصلوات في كنيسة السريان واظهاره وحدة الكنيستين في كل احاديثه واجتماعاته وافعاله التي لم يرى السريان مواقف مثلها من مطران ارثوذكسي على الاطلاق على قول الراهب الياس .
وبعد انتهاء مراسم الجناز تم حمل الحثمان على ايدي الكهنة من وسط الكنيسة الى الجانب الايمن منها حيث اودع اللحد المختص به وهو جالس على كرسيه، ثم رجع الجميع الى دار المطرانية لتقديم التعازي، واخذت وفود المعزين تتقاطر حتى الليل ومنهم مطارنة الكلدان و الارمن الكاثوليك و السريان الكاثوليك وقسيس البروتستانت والكبوشيين والالوف من الوجهاء من اليونانيين والروس والسوريين والاتراك الارثوذكس والاكراد من الاعيان…
ويوم الاحد بعد غد يوم الجنازة اقيم قداس حافل لراحة نفسه في كنيسة القديسين قزما وداميانوس وكذلك في النهار التاسع.
خاتمة
كان علمنا المتروبوليت سلبسترس ذرعوني ربانا شجاعا لأبرشيته اجتاز فيها كل الامواج العاتية من انعدام رعاية القطيع الانطاكي في ديار بكر وهو الفقير فكان عيونا للعميان والايتام وكان ارجلا للعرج والمقعدين، وللأرامل ابا وراعيا وجبرا لخواطر عائلاتها وللفقراء معينا بالرغم من شدة فقره الا من الرحمة والرجاء والاتكال على سيده الذي تبعه ناكرا ذاته.
جاء الى ديار بكر البعيدة الفقيرة والمتصدعة وخدمها بروحه وجسده وتفكيره واتعاب يديه فخدم مدارسها القديمة واحدث جديدة في كل انحاء الابرشية وبكاه تلاميذها وتلميذاتها حين وفاته كما كان مسرة لهم حال حياته هذا اضافة الى الكنائس التي رممها في مدة مطرانيته القصيرة وسعى لاحداث جديدة، والكهنة الذين رسمهم رعاة ومدبرين لكنائس الابرشية داعما اياهم من جيبه الشخصي ومن موارده الضئيلة بعدما صرف كل ما ادخره خلال خدمته السبقة على مشاريع ابرشيته بعد التعب الكثير والسهر المتواصل…
واتشرف بالقول لعلمنا ولسواه ممن لم يتاح لغيرنا تسليط الضوء عليهم… يكفينا فخرا انطاكيا ان ترجمناهم هنا في موقعنا ليتعرف عليهم الجميع وليكون ذكرهم ابداً.
حاشية
1- ذرعوني وعند البعض زرعوني
Beta feature