شفيقة_القبطية

شفيقه القبطيه

شفيقه القبطيه

شفيقه القبطيه اشهر راقصة مصريه فى القرن التاسع عشر، مواليد شبرا سنه 1851 وتوفيت في سنه 1926

بدايتها

لم يشهد الشرق العربى كله من عصر العباسيين راقصة بلغت من الشهرة والمجد والثراء ما بلغته (شفيقة القبطية).

ففى سنه 1871 كان فى مصر راقصة عظيمة الشهرة اسمها (شوق) وفى ذلك العام دعيت شوق لترقص فى بيت اسرة عريقة من اسر الأقباط لمناسبة زواج احد ابناء الاسرة واستطاعت شوق أن تخلب ألباب السيدات والفتيات برقصها الرائع، وفى فترات استراحة شوق كانت الفتيات المدعوات يرقصن مشاركة للاسرة فى فرحها و كان ذلك من الاعراف السائدة، وما زال معمولاً به حتى اليوم. ونهضت من المدعوات آنسة سمراء جميلة التقاطيع فاتنة القسمات، وابتدأت ترقص، و بعد دقائق كانت الدهشة والإعجاب قد أذهلا المدعوين. فلما ختمت الفتاة رقصتها، تقدمت منها شوق وقبلتها، وقالت لها (اسمك إيه يا عروسة؟) فقالت الفتاة فى استحياء (شفيقة) فقالت شوق: “انت خسارة.. ما تجى أعلمك الرقص؟” وثارت والدة شفيقة، واعتبرت دعوة الراقصة شوق إهانة، إذ كان الرقص ساعتها مهنة منحطة فى نظر الاسر الكبيرة، و كان يطلق على محترفاته ( لقب الغوازي)، ولما همت ام شفيقة بالانصراف بابنتها، غمزت شوق بعينها لشفيقة غمزة فهمت معناها.

رقصة للامبراطورة

كانت (شوق) اول راقصة استطاعت أن تجعل لنفسها مكانة محترمة بين العائلات الكبيرة، و كانت الراقصة الوحيدة اللى يسمح ليها بأن ترقص فى الحفلات اللى يقيمها الخديوي، ولما افتتحت قناة السويس، رقصت شوق بين المدعوين لحفلة تكريم الامبراطورة (أوجيني) التي حضرت حفلة افتتاح القناة تلبية لدعوة الخديوي، وعلى هذا عدت شفيقة نفسها محظوظة حين أظهرت لها (شوق) هذا الإعجاب والتشجيع. وكانت اسرة شفيقة من الاسر المسيحية المتدينة، فكانت تحتم على فتاتها أن توصل الصلاة فى الكنيسة، فكانت تخرج بحجة أنها ستؤدى الصلاة، ثم تذهب الى بيت (شوق) بشارع محمد علي، وكثر ترددها على شوق اللى لقنتها الدروس الأولى فى الرقص. وفجأة اختفت شفيقة، فجن جنون الاسرة، وبحثت عنها فى كل مكان حتى يئست من العثور عليها، و بعد حوالى ستة اشهر علمت الاسرة أن فتاتها تعمل راقصة فى احد الموالد الكبرى بالوجه البحري، فبعتت لها  كاهن الرعية وهو من أصدقاء الاسرة لينصحها بالعودة عن هذا المسلك الشائن الذي يزلزل مكانة عائلتها، و فشل الكاهن فى إقناع الفتاة شفيقة التي كانت قد بدأت تضع قدميها على أولى درجات الشهرة والغنى! وقررت الاسرة ان تتبرأ من ابنتها شفيقة.

على العرش

ولم تعبأ الفتاة بقرار الاسرة، ولعلها أرادت أن تثبت لأسرتها أنها لم تنحرف عن استقامتها فألصقت باسمها نوع ديانتها فكانت تنادى (شفيقة القبطية) ورجعت الى القاهرة لتعمل مع استاذتها (شوق)  فى الافراح الكبرى. وبعد ستة اشهر ماتت (شوق) فخلا الميدان لشفيقة، وفى فترة قصيرة تربعت على عرش فن الرقص، ولمع اسمها، فكانت الاسر الكبيرة تتباهى بأنها دعت بشفيقة القبطية لاحياء افراحها. وأرادت شفيقة أن تجرى تجديداً يتناسب مع شهرتها، فابتدعت (رقصة الفنيار) فكانت تميل بجسمها الى الخلف وتحمل على بطنها منضدة صغيرة تضع عليها اربع كوبات مملوءة بالعصير ” الشربات”، وتضع على جبينها فنياراً (شمعدان) مضاء بالشموع، ثم ترقص وفى يديها السناجات، فلا تسقط الأكواب، ولا ينزلق الشمعدان لقدرتها العجيبة على حفظ توازنها. وسرت شهرة هذه الراقصة، فسعى الى شفيقة اصحاب الملاهى الكبرى يغرونها بالأجور لترقص فى ملاهيهم.

استطاع ملهى (الإلدورادو) أن يظفر بالتعاقد مع شفيقة، وهكذا بدأت شفيقة حياتها الجديدة، وابتدأت الثروة تتدفق عليها. وابتدأت فى حياة شفيقة قصة جديدة تشبه قصص الف ليلة وليلة… كانت يومئذ قد تم نضجها، واكتملت أنوثتها، وبدت فاتنة، فالتف حولها عشرات من المعجبين الاغنياء، و أحاط بها رهط من العظماء وكبار القوم، وتوافد لمشاهدة رقصها كبار السياح الاجانب اللذين نقلوا اسمها وشهرتها الى الخارج عبر البحار، واصبح الملهى اللذي كانت ترقص فيه شفيقة اشبه بخلية نحل يطوف بهذه الزهرة طامعاً فى قطرات من الرحيق. لكن الزهرة كانت تعرف كيف تعطى العطر دون الشهد نفسه فكانت تزيد من لهيب الحب فى قلوب المعجبين. وعندما كانت تقف  على خشبة المسرح لترقص كانت الجنيهات الذهبية تتناثر تحت أقدامها تحية ليها من المعجبين والعشاق، لكن كانت بالطبع لا تمد يدها الى شيء منها، لكن كانت تستخدم تلاته من الخدم يجمعون هذا النقوط  ويقدمونه لها بعد انتهاء وصلة الرقص، وقيل أن احدهم  كان يحتفظ لنفسه ببعض هذه الجنيهات، فاستطاع فى مدى قصير أن يقتنى ثروة اشترى  بها عقارات فى حى شبرا، و أعتزل الخدمة.

شمبانيا للخيل

واشتهر من عشاق شفيقة اثنان من اغنى أغنياء مصر، احدهما صرف فى سبيل إرضائها مئات الألوف من الجنيهات حتى فقد ثروته كلها ولم يظفر من شفيقة باكتر من لمس يديها. والتانى ثرى كبير كان دخله لا يقل عن 300 جنيه ذهبى فى اليوم، بلغ إعجابه بشفيقة الى حد أنه كان يأمر بفتح زجاجات الشمبانيا للخيل اللى تجر عربة (الست شفيقة القبطية). ونقلت شفيقة للرقص فى ملهى (الف ليلة) فكانت تظهر فى ملابس موشاة بخيوط من الذهب، وتلبس حذاء غطت كعبه طبقة من الذهب، وزينته قطع من الماس الحقيقي. واتسعت شهرة الراقصة العجيبة، حتى ان الشركات الفرنسية التي تصنع ادوات ومواد الزينة تضع صورة شفيقة على منتجاتها، فظهرت زجاجات عطر ومراوح وعلب بودرة وماكياج تحمل صورتها، فراجت فى اماكن العالم، وظهرت مناديل رأس عليها صورة شفيقة فتهافت عليها حسان مصر.. وتلقت شفيقة كثيراً من الهدايا اللى بعث بيها السياح اللذين شاهدوها فى مصر. كان منه تاجر فرنسي اعجب بشفيقة و أحبها، و أراد أن يتزوجها فرفضت، وعاد يقترح عليها أن يأخذها الى باريس لتعرض فنها هناك، فاستهوتها المغامرة، وسافرت حيث رقصت فسحرت باريس اللى كانت يقام فيها يومئذ معرض دولى كبير، استأثرت الراقصة المصرية بمعظم رواده.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

تنافس الأمراء

ورجعت شفيقة الى مصر لتستأنف استقبال المجد والثراء، و كانت عاصمة الأناقة (باريس) قد صقلت ذوقها، فازدادت أناقتها، وصارت الملابس اللى تلبسها، والحلى اللى تتجمل بيها هى (موضة) العصر عند سيدات الطبقة العليا. وأحست شفيقة أنها ملكة الرقص فأرادت أن تستكمل أبهة الملك فاقتنت تلات عربات (حنطور) فاخرة، واقتنت عشرات من رؤوس الخيل الاصيلة، فكانت إذا خرجت صباحاً ركبت عربة (كومبيل) و إذا خرجت ظهراً ركبت (تينو) و إذا خرجت ليلاً فى الصيف ركبت (الفيتون) المكشوف. وكل عربة من هذه العربات كان يجرها اربعة أحصنة مطهمة، ويحيط بها اثنان من المرافقين القواصة (القشمجية) ويتقدمها اثنان من السياس يصيحان: (وسع.. وسع). وحدث أن كانت تتنزه مرة في موكبها هذا فى الجزيرة، و كان الامير حسين كامل يتنزه فى نفس المنطقة، فلما رأى الموكب ظنه لأحد من الأمراء، ولما عرف الحقيقة غضب وذهب الى الخديوى و أخبره بأن هناك سيدة مصرية تنافس الأمراء،وحتى تنافس الخديوى نفسه فى الأبهة والعظمة! وبسرعه أصدر الخديوى مرسوما يمنع اصحاب العربات من استخدام السياس والقشمجية، وقصر استخدامهم على الخديوى والأمراء.

ومن مظاهر الأبهة اللى كانت تعيش فيها اميرة الرقص (شفيقة) أنها كانت تستخدم طائفة من الخدم الايطاليين، و كانت لا تفصل لهم ملابسهم إلا عند اشهر خياطي مصر وهما (كلاكوت) و(ديفز براين) اللذين كانا  يفصلان للوزراء ملابسهم. وكانت إذا انتقلت من بلد الى بلد استأجرت صالوناً خاصاً فى القطار تركبه مع حاشيتها وخدمها.

وفى حياة شفيقة القبطية جوانب انسانية رفيعة، فقد كانت كريمة الى حد الجنون احياناً.. رأت مرة مشاجرة بين رجلين، فسألت عن سببها فقيل لها أن احد الرجلين استأجر من الاخر دكان وعجز عن دفع إيجاره بضعة اشهر فقامت بينهما هذه المشاجرة الحامية، فتقدمت شفيقة ودفعت متأخر الإيجار بكامله ومنحت مستأجر الدكان منحة سخية.

وسمعت مرة أن تاجر أقمشة  كبير من  الذين كانت تتعامل معهم، وهو يوشك على اعلان إفلاسه، فأسرعت اليه لتمده بمال يحول دون إفلاسه. والى جانب ذلك كانت لا تحجم عن إحياء افراح بعض الفقراء مجاناً  ،لكن وكثيراً ما كانت تمنح العروسين مساعدة مالية تعينهما على قضاء شهر عسل سعيد.

أمومتها

و رغم بذخ شفيقة فى الإنفاق، و إسرافها وكرمها فقد استطاعت أن تجمع ثروة ضخمة، فكانت تملك عدة دور  سكنية فى حى باب البحر، وتانيه فى حى شبرا، وحارة السقايين وعدة قصور كانت تعيش فيها. واستطاعت أن تحقق كل امنياتها فى الحياة إلا واحدة لم تتحقق… كانت تتمنى أن تكون ام لكن لم تنل هذه الامنية فتبنت طفلاً أسمته (زكي) و أغدقت عليه الحنان، ورفهته كل الترفيه، فنشأ مدللاً، و كان يرهقها بالمطالب فلا تبخل عليه، و أفسده التدليل فتعاطى الخمر والمخدرات، و أرادت أن تفرح به فأزوجته في سن مبكرة، و أقامت له الافراح ستة ايام، واشترك فى إحياء فرحه عدد كبير من المطربين والمطربات. لكن الشاب أمعن فى إدمانه للكحول والمخدرات، فمات بعد قليل من زواجه، وحزنت عليه شفيقة حزناً هد كيانها.

الصحراء المجدبة

وتقدمت بشفيقة السن، فبدأ طابور المعجبين يتناقص، وبدأوا يتخلفون واحداً فى إثر واحد، وتلفتت وراءها فلم تجد منهم احداً، فرجعت ليهم تناديهم فلم يستجب احد منهم للنداء، وابتدأت تدفع ثمن إعراضها عنهم و إمعانها فى إذلالهم. بسطت يدها بالمال للشباب المحروم، فكان ينعم بمالها ولايعطيها من الحب غير القشور، و كانت كلما ضنوا عليها بالعاطفة سخت عليهم بالمال لتشترى جرعة من الحب تطفئ بها ظمأ نفسها، لكن الصحراء كانت طويلة مجدبة، وقيظها المحرق يحتاج فى ريه الى سيل لا ينقطع. وابتدت الثروة تتبدد بعد ما بطل السحر وولى الشباب، ولم يبق لشفيقة من كل ذلك المجد غير ذكراه، ولم يبق لها من ثروتها غير بيت واحد فى شبرا أرادت أن تعيش فيه فأجرت بعض غرفه… لكن أحبت شاباً حملها على بيعه، فباعته وافتتحت محل لبيع الخمور فى شبرا، لكن اضطرت لبيعه إرضاء لفتى جديد لم يلبث أن هجرها.. فاضطرت للرقص بعد ما شاخت فى (بوظة) باب الخلق فى مقابل ما يسد الرمق.. وأشاحت الوجوه عن شفيقة لتتجه الى تلات حسنوات جدد ظهرن فى عالم الرقص هن (معتوقة) و(زهرة العربية) و(نفوسة غرام)، ومع أنهن لم يبلغن ما بلغته شفيقة من القدرة لكن جمالهن كان كفيلاً بتفوقهن عليها. وكما يتوهج كل مصباح يفيض بالزيت لا بد له أن يخبو حين ينضب زيته.. و هكذا خبا ضوء شفيقة القبطية، فراحت تتسول فى الطرقات وتطلب العون من قدامى العشاق.

وفاتها

وفى سنه 1926 احترقت اخر قطرة من زيت المصباح، و أغمضت (شفيقة القبطية) عينيها وودعت دنيا حفلت بأمجادها وصفقت لها اكثر من نصف قرن، بعد ما بلغت الخامسة والسبعين

 عملت سيرتها فيلما  حمل اسمها" شفيقة القبطية" كتبها خليل البنداري بطولة هند رستم والفيلم من اخراج مخرج الروائع حسن الامام

المصدر ويكيبيديا بتصرف لغوي

اعجبتني تدوينة نشرها موقع رصيف 22 للاستاذ محمد ابو زيد انقلها بالحرف

حكاية الراقصة شفيقة القبطية... رقصت بحذاء من ماس وماتت معدمة

حكاية الراقصة شفيقة القبطية… رقصت بحذاء من ماس وماتت معدمة

الثلاثاء 4 يونيو 202412:05 م

ما إن تأتي الثامنة صباحاً كل يوم أحد، حتى يزدحم شارع “نخلة” في انتظار تلك الفتاة الجميلة التي ترتدي ملابس محتشمة، وتمشي إلى كنيسة “سانت تريزا” لتؤدي الصلاة. لا يخلو طريقها من معاكسات المارّة والقابعين فوق كراسي على المقاهي، تضحك مرّة وتلوح لأحدهم بـ”الشبشب” إذا تمادي في معاكسته. تعبر “كوبري شبرا” وتمرّ من أمام مقهى يجلس عليه مفتشو السكة الحديد وبينهم كمساري وقع في غرامها، وبات يمشي خلفها، يلقي على مسامعها كلامه المعسول. كانت كلمات الغزل تخرج منه أسرع من القطار الذي يقطع تذاكره، ودخل “محطة” قلبها دون صافرة إنذار.

البدايات عند شفيقة

تزوجت شفيقة من الكمساري، ورفضت أن تترك بيتها في شارع نخلة وتعيش في بيت آخر، وعاشت معه سنة كاملة، وفي نهايتها دعا زوجها عدداً من زملائه في السكة الحديد، ومعهم زوجاتهم، لحفل بمناسبة الذكرى الأولى لزواجه من شفيقة، التي قالت عنها إحدى صديقاتها ليلتها إنها ترقص أفضل من أي راقصة في زمنها، وتحت إلحاح زوجها وأصدقائه الكمسارية، رقصت شفيقة وكأنها لا يجب أن تمتهن سوى الرقص، وآخر الليل، عرض عليها أحد الضيوف أن يتوسّط لها للعمل في المسرح، ووافقت على العرض هي وزوجها، بينما تقول رواية أخرى إن شفيقة رقصت لأول مرة أمام الناس في حفل زفاف نجل إحدى الأسر، وشاهدتها الراقصة شوق التي كانت تحيي حفلات زفاف العائلات الكبيرة، وهي الراقصة الوحيدة التي يُسمح لها أن ترقص في حفلات يقيمها الخديوي، وطلبت من شفيقة أن تعلمها الرقص، وأدركت شفيقة يومها أنها محظوظة حتى تنال إعجاب وتشجيع “شوق” وبدأت تتردّد على بيتها في شارع محمد علي، ولقنتها الدروس الأولى في الرقص وسط معارضة أسرتها، التي تبرّأت منها عندما أحيت حفلاً في مولد بالوجه البحري، ومع وفاة شوق باتت شفيقة خليفتها في الرقص وخلت لها الساحة.

الكمساري وعدوّه صاحب عربات الحنطور

لم يمرّ على عملها في المسرح سوى 6 شهور، حتى ذاع صيتها وبات اسم “شفيقة القبطية” يتردّد في مسارح القاهرة، وجرت الأموال في يدها مجرى النهر، ما جعل زوجها يطمع في أموالها، وعرفت الخلافات طريق بيتها في شارع نخلة، وفي النهاية ساومها الكمساري أن يتركها مقابل أن تترك له بيتها، ووافقت مع أنها لم تكن تملك غيره، واشترت بيتاً في حارة “السقايين” وافتتحت مقهى بكل ما جمعته من أموال، وسرعان ما بات مقصداً للعمد والكبراء الذين يجتمعون كل ليلة لمشاهدة رقص شفيقة، ومع مرور الوقت انهالت عليها الأموال من رواد المقهى، حتى ظهر في حياتها الجديدة الكمساري وبدأ يطالبها بأن تعطيه بعض المال فرفضت، وعندما عكف على مضايقتها تطوّع أحد زبائن المقهى، وهو “معلم” يمتلك ألف عربة حنطور، على حمايتها من غدر الكمساري.

شفيقة القبطية
شفيقة القبطية

شمع ونجف

توسّعت بالمقهى وبات مسرحاً كبيراً تضيئه ثلاث نجفات، كل نجفة بها 10 شمعات، ويتبارى الأغنياء في شراء الشمع غالي الثمن، بينما العمد يقسمون بالطلاق أن لا أحد سيضيئ مسرح شفيقة غيرهم في تلك الليلة. كان من بين زبائن المسرح شاعر يلقى قصائده عليها وهي ترقص، ويزدحم المقهى بالجمهور في الليلة التي يحضر بها “الشاعر الولهان”، ما إن تقف شفيقة على المسرح، وهي ترتدي حذاء مرصعاً بالماس وتتحلّى بمجوهرات يصل ثمنها إلى 5 آلاف جنيه، حتى تخطف الأنظار والعقول، وتدهش برقصها كل الحضور وتميل أيديهم للحمرة من شدة التصفيق.

معجبو شفيقة

كانت الأسر الكبيرة تتباهى بأن شفيقة القبطية أحيت لها أفراحها، وعرض عليها أصحاب الملاهي الكبرى العمل لديهم، حتى استطاع ملهي “الأندرادو” التعاقد معها، وبلغت شفيقة قمة المجد والثراء، لا تقيم حفلاً إلا وتحضره سيدات الطبقة الراقية ليستمتعن برقصها، بينما صالة المسرح تستقبل كل يوم عشرات الصناديق المكتظة بـ”الشمبانيا” من المعجبين، وامتلكت عربة حنطور تجرها خيول بيضاء في النهار وأخرى سوداء اللون في الليل، حتى إن أحد معجبيها كان يسقى خيولها التي تجرّ عربتها الشمبانيا لينال منها نظرة واحدة، وأحياناً يسكب الشمبانيا داخل حذائها ويشرب منه، بينما أحد الأغنياء أنفق ببذخ في سبيل رضاها مئات الألوف من الجنيهات، حتى فقد ثروته ولم يظفر من شفيقة بأكثر من لمس يدها، وكانت عندما تصعد على خشبة المسرح تلقى تحت أقدامها الجنيهات الذهبية تحية من العشاق والمعجبين، يجمعها ثلاثة من الخدم ويقدمونها لها بعد انتهاء وصلتها، وقيل إن أحدهم كانت يحتفظ لنفسه كل ليلة ببعض الجنيهات خلسة، فاستطاع في فترة قصيرة أن يجمع ثروة اشترى بها عقارات في شبرا واعتزل الخدمة عند شفيقة.

الوصول إلى العالمية

لم يكن مقهى شفيقة مقتصراً على المصريين، وكان يرتاده الأجانب الذين اقترحوا عليها أن تشترك في معرض باريس، بإقامة ديكور طبق الأصل من المقهى بالنجف والشمع، وقدمت شفيقة نفس التابلوهات التي تقدمها في القاهرة، وعادت من باريس راقصة عالمية، وتلقت العديد من العروض لإقامة حفلات في تونس وإسبانيا ورفضت، وظهر في حياتها شاب ثري من عائلة راقية، أحبها واتفقا على الزواج، ولكن والدته رفضت وذهبت إلى شفيقة القبطية تتوسّل إليها أن تترك ابنها الذي يصغرها بـ10 سنوات، وظلت تبكي بين يدي شفيقة حتى وعدتها أنها لن تتزوجه، وبكت حينها شفيقة لأول مرة.

أيام القمار والكوكايين

انكسر قلب شفيقة وتبدل حالها بين عشية وضحاها، وباعت المقهى وقبلت العروض التي كانت ترفضها وسافرت إلى تونس، وظلت هناك عدة شهور، وسقطت في فخ القمار والكوكايين والكحول، وخسرت صحتها وكل ما كسبته من مال، وعادت من رحلتها إلى القاهرة معدمة فقيرة، وانفض من حولها المعجبون بعد أن صارت مثل الشبح، وداهمها مرض السكر ولم يتبق منها سوى اسمها الذي كان يوماً ملء السمع في مسارح القاهرة.

هامت على وجهها في الشوارع تبحث عن عمل تقتات منه، وساقتها قدماها الحافيتان والتي كانت تلبس بهما حذاء من الماس إلى “مكتب المخدماتي”، ومشت خلفه للعمل كخادمة في أحد بيوت الأثرياء، وهناك لمحت صاحب البيت ووجدته نفس الشاب الذي أحبته وضحت من أجله ووقفت والدته حجر عثرة في طريق زواجها منه، وخرجت مسرعة قبل أن يراها على تلك الحالة.

بيت شارع نخلة، منه خرجت وإليه تعود

ضاقت بها السبل ولم تجد مأوى غير بيت شارع نخلة الذي تنازلت عنه لزوجها الكمساري، وهناك نامت على حصيرة بالية، ولم تجد لقمة عيش تبقيها على قيد الحياة، وفي أحد الأيام دخل رجل مكتب أحمد سري بك، مفتش صحة شبرا، وطلب منه أن يزور سيدة وحيدة فقيرة تعاني من الجوع ويقتلها المرض، وعندما ذهب إلي بيتها وجدها تشبه المومياء بعد تحنيطها وسألها عن اسمها، فردت بصوت يخرج بالكاد: “شفيقة القبطية”، وفي صباح يوم من أيام سنة 1926 ماتت شفيقة، وخرجت جنازتها من شارع نخلة إلى كنيسة سانت تريزا، ولم يمش في جنازتها سوى زوجها الأول الكمساري، وصاحب عربات الحنطور الذي كان يحميها منه.

 

 

 

 


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *