صلحي الوادي (1934 – 2007)

صلحي الوادي (1934 – 2007)

صلحي الوادي (1934 – 2007)
** ** ** ** ** ** ** ** ** ** **
ولد “صلحي الوادي” في بغداد،عام 1934، والده “حامد محمود الوادي”، شيخ عشيرة المحامدة الدليمية، ووالدته هي الاردنية – الدمشقية “هدية برجاق”، التي كانت تجيد العزف بالأكورديون. هدية برجاق كانت أردنية ، و قد اختار الأبناء العيش في دمشق لاحقاً لما كانت تحمله دمشق من قيم حضارية و انسانية و ثقافية و اجتماعية ..
عاشت أسرته في بغداد، ثم اختار والده دمشق مقراً لإقامته وأسرته بعد أن أثمر زواجه عن ثلاث بنات وصبي واحد، نشؤوا جميعاً في بيئة دمشقية، لتتولع الكبرى “هدى” بالبيانو، والوسطى “هبة” بالأدب، ونالت الماجستير من الجامعة الأمريكية في بيروت، قبل أن يختطفها الموت، أما الصغرى “هيام” فقد أغرمت بفن البالية، وصارت نجمة متألقة به، أما الصبي “صلحي” فقد عشق الموسيقى وهو يتأثربأنغام أكورديون والدته، وبيانو شقيقته، وأغاني “محمد عبد الوهاب”، و”فريد الأطرش”، و”أسمهان”، فتوجه إلى تعلم العزف على الكمان وتلقى دروسه الأولى في (معهد أصدقاء الفنون) على الراحل “عدنان الركابي”، ولكنه لم يستمر؛ إذ بعد نيله الشهادة الابتدائية قرر والداه عام 1946 إلحاقه بـ(كلية فيكتوريا) في الإسكندرية بمصر، وهي مدرسة داخلية بريطانية، تابع فيها دراسته الإعدادية والثانوية، وفي مصر وجد المجال أمامه رحباً لدراسة الموسيقى، فالتحق في عام 1947، بـ(كونسرفتوار الاسكندرية)، فتعلم العزف بالكمان، والتأليف الموسيقي، وظل يتابع دراسته ويشارك بالعزف على آلة (الفيولا) مع (فرقة الإسكندرية السمفونية)، حتى أنهى دراسته في (كلية فكتوريا) عام 1953 بتفوق.
وفي نفس العام 1953، سافر إلى لندن، ليلتحق بـ(الأكاديمية الملكية للموسيقى) ويعمق دراسته بالعزف بالكمان، ودرس التأليف الموسيقي، وقيادة الاوركسترا، وعاد بعد عام واحد إلى دمشق مصطحباً معه خطيبته وزميلة دراسته، عازفة البيانو الانكليزية “سنثيا ماريون إيفريت” والتي ستصبح زوجته في عام 1955، وهي حاصلة على جائزة (فرانس ليست) لبراعة عزفها على البيانو.
ثم عادا بزيارة ثانية الى دمشق في عام 1957، قام خلالها “الوادي” بنشاط صيفي متميز، حين شكّلَ فرقة سيمفونية صغيرة انتقى أفرادها من (معهد أصدقاء الفنون)، ومن فرقة الجيش والدرك الموسيقية، وأنفق عليها من ماله الخاص، وقام بتدريب العازفين، ليقدم حفلته الموسيقية السيمفونية الأولى في قبو فندق أمية الجديد، التي حضرها جمهور غص بهم المكان ليستمعوا لـ(افتتاحية إغمونت) لـ”بيتهوفن، و(الفالس الامبراطوري) لـ”شتراوس”، و(السمفونية الناقصة) لـ”شوبرت”، وعاد بعدها إلى لندن.
وفي عام 1960، زمن الوحدة بين سورية ومصر، عاد “صلحي الوادي” مع عائلته إلى دمشق بشكل نهائي، بعد حصوله على شهادة في العلوم الموسيقية، وشهادة بالتأليف الموسيقي، وثالثة بقيادة الاوركسترا، مما أهله لأن يكون مؤلفاً موسيقياً وقائداً للأوركسترا، فطلب منه مسؤولون في وزارة الثقافة بالعمل على تأسيس معهد للموسيقى، وأن يضع له نظاماً خاصاً، فبدأ العمل على تأسيس (المعهد العربي للموسيقى) ضمن سعيه لأن يجعل الموسيقى الجادة جزءاً من المشهد الفني في سورية، فاهتم بالنهوض بالموسيقى العربية وتطويرها عن طريق التعلم بصورة علمية وجادة، وقام بخطوة جديدة حيث بدأ بتدريس الموسيقى للأطفال، والاهتمام بأصحاب المواهب منهم ضمن سن 7-11 عاماً، وقد أثمرت جهوده، لتأسيس أول فرقة لموسيقى الحجرة من طلبة وأساتذة (المعهد)، فقدمت هذه الفرقة باكورة أعمالها في عام 1967 بقيادته على خشبة مسرح الحمراء بدمشق، وكانت هذه نقطة البداية لتأسيس الفرقة السيمفونية السورية التي طالما حلم بها.
وقد أوفد (المعهد)عدداً من خريجيه لإكمال دراسة الموسيقى في كل من الاتحاد السوفييتي، وألمانيا الديمقراطية، وتشيكوسلوفاكيا، وكان من أساتذة المعهد الأوائل “خضر جنيد”، و”إلهام أبو السعود”، وزوجته “سنثيا” التي رافقت زوجها في كل مراحل حياته الموسيقية، وقامت بتدريس أعداد كبيرة من الطلاب.
في عام 1990 صدر القانون رقم 82 القاضي بتأسيس (المعهد العالي للموسيقى) بدمشق، وتم تعيين “صلحي الوادي” عميداً له، إضافة لإدارته لـ(المعهد العربي للموسيقى) وفي نفس العام، وبعد افتتاح المعهد الجديد، استطاع أن يؤهل طاقماً من العازفين من الطلاب ليحقق معهم حلم حياته بتأسيس أوركسترا سيمفونية، وبعد سنة على ذلك تم تأُسيس (معهد الباليه) والذي أنيطت إدارته به أيضاً، ثم شغرت عمادة (المعهد العالي للفنون المسرحية) فتولاها، وفي العام الدراسي (1991ـ1992) بادر”صلحي الوادي” لافتتاح قسم خاص للغناء ضمن (المعهد العالي للموسيقى)، لرعاية الأصوات المتميزة، وصقلها بدراسة العلوم الموسيقية أكاديمياً.
في عام 1992 صدر قرار رئاسي بإحداث (الفرقة السيمفونية الوطنية السورية)، فتم تحقيق حلم “صلحي الوادي”، وقدمت الفرقة السيمفونية باكورة حفلاتها بقيادة “صلحي الوادي” في شهر كانون الثاني 1993، على مسرح قصر المؤتمرات، ليتحقق حلمه الذي عمل عليه منذ عام 1960.
وسرعان ما بدأت الدعوات تنهال عليه من جميع أنحاء العالم، وبلغ عدد الحفلات التي قدمتها الفرقة خلال عشر سنوات بقيادته في دمشق وحدها، أربعين حفلة، إلى جانب حفلات في مصر، والعراق، ولبنان، والأردن، والكويت، وعُمان، وتركيا، والمانيا، واسبانيا، وفي لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية، وارمينيا، واستطاع من خلالها أن يبرز وجه سوريا الحضاري.
في عام 1995، قاد “صلحي الوادي” على مدرج بصرى أول حفل موسيقى أوبرالي في سورية، قدم خلاله أوبرا (دايدو و إينياس) لـ”هنري بورسيل”، وحضرها 15 ألف مشاهد، وفي نهاية العرض تم تكريمه تقديراً لجهوده الموسيقية، وتقليده وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة، وهو أعلى وسام يُمنح في سوريا، كما تم تكريمه بمنحه الدكتوراه الفخرية في عام 1999، من (كونسرفتوار يريفان) في أرمينيا، ومنحته (الأكاديمية الروسية للعلوم والفنون) في عام 2000 الدكتوراة الفخرية، ومنحه بابا الفاتيكان “يوحنا بولس الثاني” خلال زيارته لسورية عام 2001 (وسام القديسين بطرس وبولس).
يجدر بالذكر أن “صلحي الوادي” أشرف بمفرده على رعاية جيل كامل من الموسيقيين الشباب الموهوبين، فكان المربي، والمدير، والمنسق، الذي برع في إدارة كل هؤلاء الفنانين المتحمسين ليجعل منهم فناني الدرجة الأولى، ولم يمنعه انشغاله بالتدريس، عن القيام بتأليف المقطوعات الموسيقية المبتكرة، أو إعادة صياغة بعض المقطوعات الموسيقية التقليدية والفولكلورية، وهي المقطوعات التي قام أغلب فناني وقادة أوركسترا العالم بعزفها مع فرقهم الأوركسترالية.
يرى”صلحي الوادي” أن الموسيقى هي أكثر الفنون رقياً وإنسانية، لأنها تتجاوز فوارق اللغة والمسافة، خلافاً للشعر والأدب، وبأن ارتباط الموسيقى بنواح تجارية هو أكبر مصائبها، وبأن الموسيقى السيمفونية العربية لا تزال بحاجة لوقت طويل حتى تكون سيمفونية لائقة، وقد رأى نفسه ملزم بإبداع لغة موسيقية جديدة، فحاول من خلال الإبداع بوضع مؤلفاته الموسيقية، أن يتجاوز مسألتي الأصالة والمعاصرة، فوضع ما يقارب من خمسين مقطوعة لموسيقى الحجرة، كما وضع عدداً كبيراً من المقطوعات الاوركسترالية، ووضع موسيقى لعدد من الأفلام السينمائية، ووضع موسيقى وألحان لعدد كبير من المسرحيات المحلية والعالمية.
وفي عام 2002، أثناء قيادته للفرقة السيمفونية الوطنية السورية في حفل موسيقي، انهار “صلحي الوادي” على المسرح، نتيجة إصابته بنزيف دماغي سبب له شللاً بالأطراف ألزمه الفراش وأقعده عن العمل، فالتزم بيته حتى عام 2004، حين قامت وزارة الثقافة بتكريمه باحتفال رسمي واطلقت اسمه على (المعهد العربي للموسيقى)، ليصبح اسمه (معهد صلحي الوادي للموسيقى)، وبقي بعدها ملتزماً بيته في دمشق حتى وافته المنية في 30 ايلول 2007، بعد معاناة مع المرض، استمرت لسنوات.

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *