عقيدة المطهر

عقيدة المطهر…

عقيدة المطهر…

عقيدة المطهر…
– ما هو المطهر؟ – من يعترف ويؤمن به ؟ – ما هي عقيدة المطهر؟ – كيف ندحض هذا التفكير الخاطئ ؟
ما هو المطهر

المطهر حالة تمرّ فيها أنفسُ الموتى في مرحلة تطهير. إنّها الفرصة الأخيرة التي يمنحها الله للبشر لينضمّوا في شِركةٍ كاملة معه. فالمطهر إذًا هو الاهتداء الأخير بعد الموت.
التعريف بعقيدة المطهر

عقيدة المطهر من العقائد التي اختلف فيها المسيحيون، فآمنت بها الكنيسة الكاثوليكية ورفضتها الكنائس الأرثوذكس والانجيلية، وهي في الكنيسة الكاثوليكية قضية إيمانية تلفت نظر المؤمن بها

وتدعوه للتفكير في مسؤوليته عن أفعاله في الحياة وما بعد الموت، والتعريف بهذه العقيدة إنما يتحقق بتحديد مفهومها ونشأتها وأدلتها.

مفهوم المطهر
تعني عقيدة المطهرعند الكاثوليك الاعتقاد بوجود مكان ثالث، لا هو السماء، ولا هو جهنم، تذهب إليه أرواح الموتى الذين فعلوا شراً، واقترفوا هفوات وخطايا لم يتطهروا منها في حياتهم الدنيا تطهيرا كاملا، ولم تمتلئ نفوسهم من محبة الله كلياً ولم يصلوا إلى شراكته الحقيقية ولم ينالوا القداسة الضرورية لدخول السماء مع القديسين، ولكي يتطهروا من كل ذلك فإنهم يتطهرون في المطهر بنار مطهرة مقدسة، وبعد انتهاء مدة تطهرهم يدخلون السماء مع يسوع والقديسين، وعلى الأحياء مساعدة هؤلاء الموتى لتجاوز مدة المطهر بأسرع وقت بتقديم أفعال الخير لهم كالصلوات والغفرانات والذبائح في الاحتفالات الإفخارستية.
ومما تضمنه تعليم الكنيسة الكاثوليكية التالي

– الّذين يموتون في نعمة الله وصداقته، ولم يتطهروا بعد تطهيراً كاملاً، وان كانوا على ثقة من خلاصهم الأبدي، يخضعون من بعد موتهم لتطهير، يحصلون به على القداسة الضرورية لدخول فرح السماء.

– يجب ان يمد الاحياء يد العون للراقدين لهم العون وذكرهم، “إن كان أبناء أيوب قد تطهروا بذبيحة أبيهم، لِمَ نشك بأن تقدماتنا لأجل الراقدين تجلب لهم بعض التعزية؟ فلا نتردد إذن في مساعدة الذين رحلوا وتقدمة صلوات لأجلهم.

– ثمة مكان للتنقية، والأنفس الموجودة هناك تؤازرها صلاة المؤمنين، ولا سيما ذبيحة الهيكل المرضية لدى الله.

متى تم إعلان عقيدة المطهر في الكنيسة الكاثوليكية

قررت الكنيسة الكاثوليكية الإيمان بعقيدة المطهر بعد أن تم تحديد معناها في المجامع الكاثوليكية التالية

مجمع ليون الثاني

وهو المجمع المسكوني الكاثوليكي الرابع عشر، حيث قرر في جلسته الرابعة والمنعقدة يوم 6/ حزيران/ 1274 في قضية مصير الموتى مايلي:” لئن ماتوا في البرارة بعد توبة حقيقية، وقبل القيام بالتكفيرالمثمرعما اقترفوه وأهملوه، فنفوسهم تُطهَّر بعد الموت بعقوبات مطَّهِرة ومبرِرة، وفي سبيل تخفيف هذه العقوبات، تنفع شفاعات المؤمنين الأحياء، أي ذبيحة القداس والصلوات والصدقات وأعمال البر الأخرى التي اعتاد المؤمنون أن يعملوها لمؤمنين آخرين بحسب أنظمة الكنيسة، في شأن نفوس الذين بعد نيلهم المعمودية المقدسة لم يقترفوا أي خطيئة، والذين أيضا بعد اقترافهم الخطيئة تطهروا، سواء كانوا بعد في الجسد أو تعروا منه فنفوسهم تقبل حالا في السماء، في شأن الذين يموتون في حال الخطيئة المميتة أو مع الخطيئة الأصلية وحدها فنفوسهم تنحدر حالا إلى جهنم حيث تنال عقوبات غير متساوية.

مجمع فلورنسا

وهو المجمع المسكوني الكاثوليكي السابع عشر ، حيث قرر في جلسته المنعقدة يوم 6/ تموز / 1439 في قضية مصير الموتى مايلي: “كذلك إذا كان الذين يتوبون توبة صحيحة، يموتون في محبة الله، قبل التكفير عن خطاياهم التي اقترفوها بالفعل أو بالإهمال بثمار جديرة بتوبتهم، فإن نفوسهم تتطهر بعد موتهم بآلام تطهيرية، ولكي يتخلصوا من مثل هذه الآلام، تفيدهم معونات المؤمنين الأحياء من قداسات وصلوات وصدقات وأعمال تقوى أخرى، يقوم بها عادة المؤمنون من أجل مؤمنين آخرين بحسب قرارات الكنيسة، وتقوى الذين بعد تقبلهم المعمودية لم يتلطخوا قط بالخطيئة، وكذلك نفوس الذين بعد تلطخهم بالخطيئة، سواء كانوا بعد في أجسادهم أو تعروا منها تطهروا على ما سبق القول ، هذه النفوس تقبل حالا في السماء وتشاهد الله الثالوث والواحد في ذاته كما هو مشاهدة واضحة ولكن على درجات وفق استحقاق كل منها، أما نفوس الذين يموتون في حال الخطيئة المميتة، أو الخطيئة الأصلية فقط فإنها تنحدر حالا إلى الجحيم ولكنها تعاقب بعقوبات غير متساوية.

المجمع التريدنتيني

وهو المجمع المسكوني الكاثوليكي التاسع عشر، حيث قرر في جلسته الخامسة والعشرين والمنعقدة يوم 3/ كانون الأول / ٙ1563 في مرسوم في المطهر مايلي: “الكنيسة الكاثوليكية وبوحي من الروح القدس، وانطلاقا من الكتاب المقدس، وتقليد الآباء القديم علّمت في المجامع المقدسة، وأخيراً في هذا المجمع المسكوني أنه يوجد مطهر، وأن النفوس المقيمة فيه تجد عونا لذا في أعمال بر المؤمنين، ولا سيما ذبيحة الهيكل التي تجد عند الله رضاً خاصاً ، والمجمع المقدس يطلب من الأساقفة أن يبذوا قصارى جهدهم، لجعل عقيدة المطهر السليمة التي نقلها الآباء القديسون، والمجامع المقدسة، موضوع إيمان المؤمنين يحفظونها وتكون منتشرة ومعلنة في كل مكان.

المجمع الفاتيكاني الثاني

وهو المجمع المسكوني الكاثوليكي الحادي والعشرون، حيث قرر في جلسته الخامسة والمنعقدة يوم 21 / تشرين الثاني / 1964 مايلي:

“قد أحاطت ذكر الأموات منذ الأزمنة المسيحية الأولى بكثير من التقوى، إذ قربت أيضاً لأجلهم قرابين العبادة لأن فكرة الصلاة لأجل الأموات ليُحلوا من خطاياهم فكرة مقدسة تقوية … إن الإيمان الخليق بالاحترام إيمان آبائنا بشركة الحياة بيننا وبين إخوتنا الذين بلغوا المجد السماوي، أو لم يزالوا في مرحلة التطهير بعد الموت، يتلقاه المجمع المقدس ببالغ التقوى.

ما اسباب رفض الكنيستين الأرثوذكسية والبروتستانتية لعقيدة المطهر

يرفض الارثوذكس والانجيليين عقيدة المطهر وينسبون رفضهم للتالي

اولاً وجهة النظر الارثوذكسية

– الكنيسة الأرثوذكسية لا تقبل بعقيدة المطهر التي أعلنها الفاتيكان عبر مجامعه التالية للإنشقاق بين روما والبطريركيات الشرقية عام 1054 ، وترفض بشكل قاطع اعتمادها “كعقيدة مُلزٍمة” ، حيث أنها لا تجد الأدلة الكافية والواضحة عليها في التقليدين الرسولي والآبائي، وهي من أسرار الله الغامضة عن البشر والتي لا يجوز تصورها وتصويرها بالشكل المادي الذي هي عليه هذه العقيدة.

– ترى الكنيسة الأرثوذكسية أن موضوع “المطهر ” هو من إفرازات – نتائج – اللاهوت السكولاستيكي، الذي يسعى لإيجاد معانٍ لأسرار الإيمان عبر المنطق والعقل، وهذا ما يعترف به الأب الدكتور أغسطينوس موريس من الكنيسة القبطية الكاثوليكية.

في المنشور العقائدي للبابا بنديكتوس الثاني عشر 1336 جاء ” إن نفوس الأبرار الطاهرة تماماً تذهب إلى السماء فوراً بعد موتها وذلك قبل قيامة الجسد والدينونة العامة … بينما النفوس التي هي في حالة الخطيئة المميتة تذهب حالاً بعد موتها إلى الجحيم حيث تقاسي عذاباً أبدياً “ ، وجاء في نصوص مجمع تريدنت ” إن الذين يخرجون من هذه الحياة وهم نادمون حقاً وفي محبة الله، ولكن قبل أن يكفّروا عن خطاياهم في أعمال توبة كاملة، تتطهّر نفوسهم بعد الموت بعقوبات مطهّرة “. وجاء في مجمعي ليون وفلورنسا: “
إن التائبين الذين ماتوا بعد أن غُفِرت خطاياهم يجب عليهم أن يؤدّوا في الحياة الأخرى ما تبقى عليهم من التعويض المفروض.”

لا سبيل لمعرفة مدة التكفير هذه، فلكلّ نفسِ حسب ما ارتكبت، ويرى مجمع تريدنت أنه: “في المطهر تُغاث النفوس السجينة بإسعافات المؤمنين ولا سيما ذبيحة المذبح الطاهرة والصلوات والصدقات وسائر أعمال التقوى التي درج المؤمنون على تقديمها بعضهم لأجل بعض وفق قوانين الكنيسة.”

نرى فيما سبق أن المعذبين في المطهر ليسوا هم الأبرار ولا الأشرار، بل هم المؤمنون التائبون والنادمون على خطاياهم إلا انهم لم يكفّروا عن خطاياهم بالشكل الكافي في هذه الحياة. كما ترى الكنيسة الأرثوذكسية أن اللاهوت الكاثوليكي يخلط كثيراً بين فاعلية الصلاة لأجل الموتى وبين وجود أنفسهم في ” السجن – المطهر – حتى يوفوا الفلس الأخير.” ( حسب تفسيرهم لمتى 5: 25-26 )

– وهنا طرحت الكنيسة الأرثوذكسية السؤال الحقّ التالي

“لماذا قدم الرب ذبيحته إذاً على الصليب ؟ أليست كفارةً عن خطايانا؟”

يقول القديس يوحنا الرسول في رسالته الجامعة الأولى ” إن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم أيضاً ” ( 1يو2: 1-2 ). ويتابع الرسول الحبيب الذي اتكأ على صدر المسيح يوم العشاء الأخير قائلاً ” إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم ” ( 1 يو1: 9 )، ويقول القديس بولس الرسول ” متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله ” ( رو3: 24 ). وآيات أخرى لا حصر لها تؤكد أن الرب يسوع هو كفارة لخطايانا وليس مطلوب منا غير التوبة الحقيقية وهجر حياة الخطيئة وقبول تلك النعمة المجانية المعطاة لنا بيسوع المسيح ربنا. كما يتضح من آيات يوحنا الإنجيلي أن التطهير يتم بمجرد التوبة الحقيقية والإعتراف بذبيحة المسيح كفارة تامة غير منقوصة لخطايانا.

ترى الكنيسة الأرثوذكسية في مثل ” الابن الشاطر ” خير توضيح لرأيها الرافض لمنطق المطهر، فهذا الابن الذي عاد تائباً بعد حياة طويلة في ظلام الخطيئة، وصرخ مستغفراً أبيه ” يا أبتِ أخطأت إلى السماء وأمامك ولست مستحقاً أن أدعى لك ابناً فاجعلني كأحد أجرائكَ ” ( لو15: 11- 32 ). فبحسب عقيدة المطهر الكاثوليكية كان يتوجب عليه ليس فقط أن يتوب ويندم، بل وأن يكفّر عن خطاياه ويعوّض عن تلك الأعمال غير الصالحة والسنين المظلمة التي أهدرها. إلا أن أباه قبله بفرح – لا بل وسارع إليه يضمه ويقبّله مسروراً بعودته – وأعطاه الحلّة الأولى والخاتم وذبح له العجل المسمّن ولم يعاتبه بكلمة قط.

رسالة المحبة التي بعد القيامة هي

” هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن يتألم المسيح ويقوم من الأموات في اليوم الثالث وأن يُكرز باسمه بالتوبة ومغفرة الخطايا لجميع الأمم مبتدئاً من أورشليم ” ( لو24: 46 )، هو على الصليب حل خطايانا وكفّر عنها نهائيا.ً

الرب حمل خطايانا، وفداؤه ليس ناقصاً، لذلك لا تقبل الكنيسة الأرثوذكسية مجرد فكرة وجود نار أو مكان لعقاب ” التائبين ” أي الذين قبلوا المسيح فادياً ومخلصاً. برأيها العذاب لا يطهّر ولا ينقي، الذي يطهر وينقي هي محبة الله الكاملة في المسيح يسوع. كما أن الخطيئة التي تجرح محبة الله لا يمكن لعذابات محدودة المدة أن تفي حب الله غير المحدود، وبالتالي لا يقبل لا العقل ولا المنطق فكرة المطهر، بل وحده دم الرب يسوع هو الذي داوى هذا الجرح بالمحبة المطلقة ” وأي حب أعظم من أن يبذل أحد نفسه فداء عن أحبائه “. فإن كان دم المسيح غير كافٍ للتكفير والتبرير والتنقية والتطهير فالويل لما لأننا هلكنا جميعاً.

يمس المطهر سر الكهنوت المقدس والسلطان المعطى بواسطته من خلال الرسل الأطهار على حل الخطايا وإمساكها، فأي فائدة تبقى من سر الإعتراف والتوبة إن كان ” مع وقف التنفيذ ” ، وقد قال الرب: ” من غفرتم خطاياهم غفرت ومن امسكتم خطاياهم أُمسكت ” ، الرب لم يقل: “من غفرتم خطاياهم فإنها سوف تغفر لاحقاً”، كما لا يعني كلام الرب ما يروج له بعض دعاة البروتستنتية من أن الخطايا قدغُفرت سلفاً وبالتالي صار عمل الكهنوت مجرد ” تمثيلية لا فائدة منها. ”

جاء في المزمور 32: ” طوبى للذي غُفر إثمه وسترت خطيتة، طوبى للانسان الذي لا يحسب له الرب خطية “. فما دام الرب لم يعد يذكر خطيئة هذا التائب ولا يحسبها له فهل يعود هناك ضرورة للمطهر؟

يرى الكاثوليك في الآية الواردة في سفر الرؤيا: ” لا يدخل السماء دنس ولا ما يصنع رجساً وكذباً ” (رؤ21: 27) ما يدعم فكرهم حول المطهر. وترى الكنيسة الأرثوذكسية أن التائبين والمعترفين بخطاياهم والمؤمنين بذبيحة الصليب قرباناً عن خطاياهم، هم أنقياء ومطهّرون بدم المسيح الزكي المسفوك لأجلهم ولمغفرة خطاياهم. ويقول سفر الرؤيا نفسه متابعاً في نفس الآية: ” ولن يدخلها شيء دنس ولا ما يصنع رجسا وكذبا إلا المكتوبين في سفر حياة الحمل” ، ومن هم هؤلاء المكتوبون في سفر الحياة إلا المؤمنين باسمه التائبين عن خطاياهم والمعترفين به رباً ومخلصاً وفادياً؟

والسؤال

هل يقتضي العدل الإلهي أن يدفع ثمن الخطيئة مرتين: مرة على الصليب من قبل الله نفسه ومرة في المطهر ؟ وهل يقبل المنطق البشري أن يكون هناك ” متمم ومكمل ” لعمل الله الفادي نفسه الذي به محا خطايانا ؟ وإذا كان العدل الإلهي يعاقب على الأخطاء الغير مقصودة والسهوات والهفوات فنصرخ إذاً من هو الذي يثبت ؟ كما يقول المزمور ” على السهوات والهفوات وخطايا الجهل ؟ إذا كان كذلك فلا فائدة فكما نقول فى المزمور ” إن كنت تراقب الآثام يا رب يا سيد فمن يقف؟ لأن عندك المغفرة”( مز 130: 3-4).

وتطرح عقيدة المطهر تساؤلات آخرى لا يجد لها المفسرون الكاثوليك تفسيراً متماسكاً، وهو أن الرب أعطى اللص المصلوب معه ان يكون معه في الفردوس منذ تلك اللحظة التي تاب فيها عن خطاياه واعترف بالمسيح رباً ومخلصاً. الرب لم يحدثه عن المطهر الكفيل بتنقية نفسه من الشرور والآثام التي ارتكبها قبل انتقاله ليكون معه، فلو كانت آلام الصلب المحدودة الزمن بعدة ساعات أو أيام كافية لتنقية اللص من حياة مليئة بالشرور والإجرام، أليست آلام الأمراض إذاً كفيلة بتنقية حياة تائبين سقطوا في خطاياهم نتيجة لضعفهم وسهوتهم وتذبذب إرادتهم؟ وهل يحتاجون للمطهر ذو المدة الزمنية غير المحددة؟ وهل يجب أن تقاس مدة التطهير بالأزمنة البشرية وبالأوقات ( 20 سنة، 50 سنة ، 100 سنة … إلخ )؟

وأخيراً يبقى التساؤل الأخير

هل من العدل والمنطق أن تتطهّر النفس دون الجسد؟ ففي القيامة العامة ستقوم النفس والجسد وسيتحدان كليهما معاً ليدخلا إلى الفرح الأبدي أو العذاب الأبدي، فهل يصحّ أن تتحد تلك النفس التي تطهرت بنار المطهر مع الجسد الذي لم يتطهّر؟ وهل يصبح ذلك الكائن عندئذٍ مستحقاً أن يقترب ويعاين مجد الله ؟

لأجل هذا ترفض الكنيسة الأرثوذكسية عقيدة المطهر بكاملها لأنها تعارض وتنفي عقيدة أخرى هي ” عقيدة الفداء ” الذي قام به كلمة الله المتجسد على الصليب، والذي وحده ” يقدر ان يخلّص ايضا الى التمام الذين يتقدمون به الى الله اذ هو حيّ في كل حين ليشفع فيهم”( عبر7: 25 ) والذي “ليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداءً ابدياً. لانه ان كان دم ثيران وتيوس ورماد عجلة مرشوش على المنجسين يقدس الى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه للّه بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي ” ( عبر 9: 12-14 ). ولأن الكتاب ينص صريحاً على عدم وجود مكان للتعذيب او التطهير”وضع للناس ان يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة.” (عبر 9: 27 )

أما وجهة النظر الانجيلية فهي وفق هذه الآية:”صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا”(عب 1: 3)

تُعَّلم الكنيسة الكاثوليكية أن المطهر هو المكان الذي تتعذب فيه أرواح الأموات لفترة من الزمن لتطهيرها من بقايا الخطايا الغير مميتة التي اقترفتها هذه الأرواح. فالمطهر إذاً هو مكان عقاب مؤقت للأرواح قبل دخولها السماء.

إن كلمة مطهر لا وجود لها في الكتاب المقدس، وعقيدة المطهر لا تعلمها كلمة الله، فقد دخلت هذه الفكرة إلى الكنيسة الكاثوليكية (ولا أقول إلى الكنيسة المسيحية) من الوثنية، إذ أن المصريين القدماء كانوا يؤمنون بمطهر، وكذا الإغريق والرومان. فالكتاب المقدس يتكلم بكل وضوح عن مكانين في العالم الآخر هما: السماء والجحيم، لا ثالث لهما. فلو أن المطهر موجود حقاً لكان الرب يسوع قد ذكره هو أو أحد تلاميذه. ولكن صمتهم عن ذكره برهان على عدم وجوده.

متى اعلنت عقيدة المطهر في الكنيسة الكاثوليكية؟

إن عقيدة المطهر لم تظهر إلا بعد المسيح بستمائة سنة. ولم تقرر كإحدى عقائد الكنيسة الكاثوليكية إلا عام 1439م. وهذه الفكرة اقتبست من الوثنية، إذ قد نقلها الكهنة الكاثوليك لما فيها من منفعة مادية. فاستطاع الكهنة أن يستغلوها في جمع النقود للصلاة في القداس على الأرواح التي يقال إنها تتعذب “بمطهر”…

ويعتمدون على ثلاثة مصادر لإثبات زعمهم بوجود المطهر
اولاً على كتب الأبوكريفا

ولكن الاقتباسات والمقاطع المأخوذة من هذه الكتب لا يمكن الاعتماد عليها لتثبيت أي شيء، وذلك لأن كتب الأبوكريفا لم تكن في يوم من الأيام جزءاً من العهد القديم. واليهود أنفسهم الذين ندين لهم بحفظ العهد القديم لم يعتبروا الأبوكريفا قسماً من الكتب المقدسة. زد على ذلك أن بعض هذه الكتب تحتوي على بعض التعاليم المغلوطة والتي لا تتناسق مع تعاليم الكتاب المقدس. والكنيسة الكاثوليكية لم تعتبر هذه كتباً قانونية إلا عام 1546 في مجمع ترنت، لذلك لا يصح الاعتماد على هذا المصدر.

ثانيا على الآباء

يجب عدم القبول بسلطة الآباء في موضوع كهذا، لأن فكرة المطهر كما قلنا لم تظهر إلا عام 1439. ثم أن كثيراً من “الآباء” كانوا يتخبطون بدياجير الظلام ويناقضون بعضهم البعض، الأمر الذي أدى إلى خلق البدع التي تكبدت الكنيسة عناء الرد عليها.

ثالثاً الادعاء بوجود براهين في الكتاب المقدس

أ‌- 1 كورنثوس 3: 13 و 15 حيث يقول: “لأنه بنار يستعلن، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو”، “وأما هو فسيخلص ولكن كما بنار”. بما أن كلمة “نار” موجودة في هذه الأعداد، فإن روما تدعي بأنها تشير إلى المطهر. لاحظ أن النار هنا هي لامتحان أعمال الإنسان وليس لامتحان العامل نفسه. إن الآية لا تقول “بالنار” ولكن “كما بنار” أي ليس بالنار، ولكن كما لو انه كانت هناك نار. زد على ذلك أن “اليوم” المذكور في عدد 13 هو اليوم الآخر الذي حسب تعليم الكنيسة الكاثوليكية يبطل فيه وجود المطهر.

ب‌- “والبرهان” الكتابي الثاني هو ما جاء في رؤ 21: 27 “ولن يدخلها شيء دنس ولا يصنع رجساً وكذباً…” ولكن هذا العدد لا يشير إلى أن النفوس تتطهر بالنار عن طريق ما يسمى بالمطهر. ولكننا نعلم من أعداد كثيرة أخرى أن طريقة التطهير هو بواسطة ذبيحة المسيح مرة واحدة على الصليب (راجع كولوسي 2: 14، 1يو 1: 17، عب 9: 14، رومية 8: 1).

تعلم الكنيسة الكاثوليكية أن الأرواح التي في المطهر يمكن أن تخلص بأكثر من طريقة، ولكن الطريقة الأكثر فاعلية هي بترديد القداديس على هذه الأرواح. والحقيقة أنه لا تقام قداديس بدون دفع مال.

إن المطهر اختراع بشري لربح المال فإذا مات إنسان وكان صاحب أموال كثيرة واستخدمت أمواله لترديد القداديس عن روحه، فإنه يستطيع أن ينتقل من المطهر بسرعة. أما إذا كان فقيراً فعليه أن يتعذب إلى يوم القيامة.

إن عقيدة المطهر إنكار لعمل المسيح الكفاري على الصليب فكلمة الله تصرح أن التطهير من الخطية يتم في هذه الحياة وليس بعد الموت، وبواسطة دم الرب يسوع المسيح المسفوك على الصليب، لا بالنار ولا بالقداديس. وعلى الصليب قال المسيح: “قد أكمل”. نعم قد أكمل التطهير التام الناجح المطلوب عندما نطق المصلوب بهذه الكلمات.

إن عقيدة المطهر التي تفرق بين غني وفقير، تجعل الله يحابي بالوجوه، الأمر الذي يناقض كلمة الله التي تصرح في سفر أعمال الرسل 10: 34 “الله لا يقبل بالوجوه”.

وهذه العقيدة توهم أن السماء يمكن شراؤها بالمال. فالذي يؤمن بهذه العقيدة يرتكب الخطية التي ارتكبها سمعان الساحر، إذ ظن أنه يستطيع أن يحصل على الروح القدس بالمال. ولكن القديس بطرس وبخه قائلاً: “لتكن فضتك معك للهلاك، لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم” (أعمال 8: 20). وفي الرسالة الأولى التي كتبها القديس بطرس نفسه، وفي الإصحاح الأول عدد 18، 19 يقول: “عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب… بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح”. إذاً لا حاجة للمال للدخول إلى السماء: “هكذا يقول الرب… بلا فضة تفكون” (أشعيا 52: 3) “والذي ليس له فضة تعالوا” (أشعيا 55: 1). إن اللص الذي كان مصلوباً عن يمين المسيح. والذي أقر بأنه خاطئ كان من المفروض بحسب العقيدة الكاثوليكية أن يذهب إلى المطهر ويتعذب إلى يوم القيامة. أهذا ما حدث؟ كلا! فإن الرب قال له: “اليوم تكون معي في الفردوس” فبدون مطهر كان اللص في ذات اليوم مع المسيح في المجد.

إن عقيدة المطهر تنحرف بالنفوس عن مخلصها الرب يسوع. وهي مناقضة لكلمة الله، وليست سوى اختراع بشري لربح المال. ويجب على كل مسيحي وفضها رفضاً كلياً.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *