عيد رفع الصليب الكريم المحيي

عيد رفع الصليب الكريم المحيي

قصة العثور على الصليب

في اليوم الرابع عشر من شهر ايلول من كل عام تحتفل كنيستنا الأرثوذكسية وكل كنائس العالم بعيد رفع الصليب الكريم المحيّي، ونحن إذ نعيد لهذا العيد للصليب المحيّي فانما نعيد لتذكار العثور على عود الصليب بيد الأمبراطورة هيلانة والدة الملك قسطنطين المعادليّْ الرسل.

الرب يسوع مصلوبا بين لصين
الرب يسوع مصلوبا بين لصين

قبل مجيء هذا الملك العظيم القديس قسطنطين الكبير، كانت الكنيسة تعاني من اضطهاد عظيم، حيث أن كل من كان يعترف بأنه مسيحي كان يستشهد. لكن عندما أنشقت الإمبراطورية كان الملك قسطنطين ملكا على الجزء الغربي للإمبراطورية، فحاول خصومه أن يحاربوه. لكنه انتصر عليهم بصلوات أمه المؤمنة القديسة هيلانة، وبعد أن ظهرت له إشارة الصليب في السماء وصوت قائلا له:- “بهذه العلامة تنتصر”. فأمر بوضع شارة الصليب على لباس الجنود واعتدتهم ورفع الرايات الموشاة بالصليب ورفع الصلبان وانتصر على خصمه قيصر الغرب ليكسيانوس.. لذلك عام 313م وبموجب براءة ميلان (ايطاليا) أمر الملك قسطنطين المنتصر أن يُوقف الاضطهاد بحق المسيحيين واعلن أن المسيحية ديناً رسميا في الدولة. عندها أخذ المسيحيون يبنون الكنائس بعد أن كانت في الكهوف، وصاروا يرفعون الصلبان فوقها. وفي احتفالاتهم الدينية والمدنية كانوا أيضا يكرمون الصليب. في هذه الفترة بدأت إشارة الصليب تكون علامة المسيحيين العلنية، عندها قررت الملكة هيلانة أن تبحث عن الصليب المكرم. فجاءت على رأس قوة عسكرية واكليريكية وشعبية كبيرة الى اورشليم للبحث عن الصليب بعد مضي حوالي ثلاثة قرون وكان ذلك عام 326 مسيحية وبدات حملة بحث مضنية حيث وجدت الصليب مخفياً من قبل اليهود وقت الصلب في مغارة، ومطموراً تحت الردم عند جبل الجلجلة…

بهذه العلامة تنتصر” الأمبراطور قسطنطين ينتصر على خصمه ليكينيوس وقد رفع اشارة الصليب على الرايات ورسمها على البسة الجنود وعتادهم وانتصر.
بهذه العلامة تنتصر” الأمبراطور قسطنطين ينتصر على خصمه ليكينيوس وقد رفع اشارة الصليب على الرايات ورسمها على البسة الجنود وعتادهم وانتصر.
“.

كيف وجدت هيلانة عود الصليب؟

وقد تم اخراج الصلبان الثلاثة خارج المغارة، فأتوا بمريضة ووضعوا الصليب الأول والثاني عليها فلم تشفى ولكن عندما وضعوا الصليب الثالث عليها شفيت في الحال، يجب التأكد أكثر… وفجأة لمعت في خاطر بطريرك اورشليم صفرونيوس فكرة عند مرورجنازة شاب وحيد لأمه قضى متوفياً …فحمل الصليب الثالث وقرَّبَّه من جثمان الشاب فبعثت فيه الحياة وقام من بين الأموات… عندها عرف الجميع انه هو صليب الرب… فتأكدوا من أن هذا الصليب الذي شفى المريضة وأقام الميت هو نفسه صليب المسيح.

نتعلم من هذا أن الرب نفسه أعلن عن صليبه وبعجائب وآيات كثيرة أثبت أن هذا هو صليبه. ومع الاحترام والإجلال للعلم، فالعلم لا يستطيع أن يؤكد صليب المسيح من صليبي اللصين اليمين واليسار، لكن الله وحده هو القادر بآيات وعجائب. فنحن لا نعتمد على العلم في الحقيقة الروحية، فالعلم يخدم الحقائق المادية فقط ، وليس من حقه أن يتدخل في الحقيقة الروحية.

"مغارة الصليب".. المكان الذى عثرت فيه الملكة هيلانة علي الصليب المقدس
“مغارة الصليب”.. المكان الذى عثرت فيه الملكة هيلانة علي الصليب المقدس

هنا نرى أن الكنيسة الأرثوذكسية هي الكنيسة الوحيدة التي بها الحقيقة بكاملها، وتعلن هذه الحقيقة ليس بإشعاعات إلكترونية أو ذرية، ولكن بالنور الإلهي والعجائب المستمرة التي حدثت وتحدث بواسطة خشبة الصليب المقدس والقبر المقدس يوم سبت النور منذ فجر المسيحية. وبعد أن وجدت القديسة هيلانة الصليب، أقامت الكنيسة المسيحية صلوات الشكر إلى الله، وبدأت الاحتفالات العارمة، وأخبرت الملكة هيلانة ابنها الملك الرومي قسطنطين في القسطنطينية بالخبر المفرح ،فأشعلت نارا على رأس كل جبل

وبهذه السرعة عرفت أبنها الملك الرومي فبدأت الاحتفالات في القسطنطينية، وبدوره أيضا عندما رأى اليهودي يهوذاعجيبة العثور على الصليب، آمن بالمسيح وبشر به واعتمد على أسم الثالوث الأقدس واصبح اسمه كرياكوس وخلف البطريرك مكاريوس، وبعد ذلك أستشهد من أجل المسيح…

وكانت طريقة ايقاد النيران على القمم هي الوسيلة لنقل الأخبار ففي بضعة ساعات كان يصل الخبر الى العاصمة وهكذا كان فوصل الخبر المفرح من خلال ايقاد اجمات نار اشتهرت منها ولا تزال قمم معلولا…

الملكة هيلانة حملت الصليب من اورشليم الى القسطنطينية مرورا بمعلولا كما تحفظ الذاكرات الشعبية
الملكة هيلانة حملت الصليب من اورشليم الى القسطنطينية مرورا بمعلولا كما تحفظ الذاكرات الشعبية

الرحلة المباركة بالصليب الى القسطنطينية

حملت هيلانة عود الصليب المكرم معها الى القسطنطينية براً بغية تعزيز إيمان المسيحيين في طول الطريق، وفي طريقها مرت في سورية الداخلية ومنها معلولا

حيث خرجت القرية عن بكرة ابيها لاستقبالها وأشعلت على قممها أجمات نار للدلاله على النور المترافق مع صليب الرب يسوع. ثم سافرت من الساحل السوري الى القسطنطينية بحراً حيث حطت في طريقها بجزيرة قبرص، وأهدت رهبان احد الأديرة وكانوا يقومون ببناء ديرهم فاهدتهم قطعة صغيرة (ذخيرة) من عود الصليب. فسموا الدير “دير الصليب المقدس” ووضعوا هذه الذخيرة المقدسة في صليب خشبي كبير بأبعاد الصليب الحقيقي من الخشب الثمين في منتصف تقاطع الخشبتين… ومع تمادي الأيام تم تغليف هذا الصليب بالفضة الخالصة، وقتحت به فتحة متحركة للتبرك بالقطعة المقدسة،(وقد رأيته بأم العين وقبلته بدموع عندما زرت هذا الديربرفقة سيادة الارشمندريت يوحنا التلي رئيس ديري القديس جاورجيوس الرهباني البطريركي ودير الشيروبيم الرهباني البطريركي ورهبنة القديس جاورجيوس، وقدس الأب ميشيل سابا رئيس الأمطوش الأنطاكي في ليماسول قبرص) وعند وصولها الى القسطنطينية جرت احتفالات رسمية وشعبية وشارك بها كل الشعب واركان الدولة يتقدمهم الأمبراطور قسطنطين وأمه والبطريرك المسكوني والمجمع المقدس والاكليروس كافة.

القديسان قسطنطين وهيلانة وبينهما عود الصليب المحي
القديسان قسطنطين وهيلانة وبينهما عود الصليب المحي

قسمة الصليب

قُسِّم الصليب طُوليًّا إلى قسمين، قسم أرسل إلى القسطنطينية وقسم بقي في القدس في كنيسة القيامة التي بنتها الملكة هيلانة. ووجد أربعة مسامير على صليب المسيح، مع أن البعض يدعي وجود ثلاث مسامير، وهذا خطأ. لأنه لو ثبت بمسمار واحد رجلا المسيح لكان قد انكسر كعب رجله، ولكن كما هو مكتوب “لم يكسر عظم من عظامه”. فصهر الملك قسطنطين ثلاثة مسامير ووضعها في خوذته والمسمار الرابع وضع بشكل عامودي، حتى يكون شعاره في الحرب.

اغتصاب الفرس لخشبة الصليب

عام 614م انتصر الفرس الوثنيون على الدولة الرومية المسيحية وأحتلوا مدينة القدس بمساعدة اليهود، واستشهد ستون ألف مسيحي وجرت الدماء الطاهرة في شوارع القدس. كل هذا حدث بمعونة اليهود أعداء صليب المسيح. وأسروا البطريرك الأورشليمي وأخذوا خشبة الصليب المكرم معهم الى مدينة المدائن عاصمة الفرس، ووضعوها مع الأواني المقدسة التي اغتصبوها بين الأصنام.

في عام 629م اقتحم الأمبراطور الرومي هرقل المدائن واستباح الدولة الفارسية وأنتصر على الفرس وطرد اليهود من فلسطين وشتتهم، وأعاد البطريرك الأورشليمي والأواني المقدسة والصليب المكرم الى مدينة اورشليم،

الأمبراطور هرقل ومعه عود الصليب
الأمبراطور هرقل ومعه عود الصليب

 

ويروي التاريخ المقدس ان الأمبراطورالرومي هرقل اراد في اليوم التالي ان ينقل عود الصليب الى كنيسة العذراء في الجلجلة باحتفال عز نظيره وقد لبس افخم حلة ملوكية وجلل فرسه بالحرير والذهب نظراً لكرامة المناسبة وكان الجيش بلباسه العسكري الكامل ورايات الصليب ترفرف والشعب يهتف ويهزج بفرح مابعده فرح بالانتصار على الفرس وتحرير عود الصليب واعادته الى اورشليم… وحمل الصليب وهو على صهوة فرسه المطهم بماعليه، واذ بالفرس جامد لايتحرك فأكثر من محاولة تسييره مع الخدم انما دون جدوى… الأمر الذي دفع بالبطريرك ان ينبهه الى ان المسيح حمل صليبه وسار في درب الآلام مرتدياً أسمالاً بالية…ثم صلب عليه.
عندها ترجل الأمبراطور عن فرسه وتخلى عن كل من بردته وثيابه الملوكية وحذائه وحمل الصليب ومشى كما كان ملك الملوك صاحب هذاالصليب حافياً عارياً مكشوف الرأس وسار في جبل الزيتون وأعادها إلى كنيسة القيامة. وكان هذا في 14 أيلول شرقي أو 27 أيلول غربي.

هرقل يحمل الصليب في اورشليم بعد انتصاره على الفرس وتحرير عود الصليب
هرقل يحمل الصليب في اورشليم بعد انتصاره على الفرس وتحرير عود الصليب

البعد الروحي لعيد رفع الصليب الكريم

يعتبر يوم عيد الصليب يوم صيام انقطاعي عن الزفرين لذكرى استشهاد المسيحيين، وعندما يركع الكاهن حاملا الصليب رمزا إلى اختفاء الصليب وظهوره مرة أخرى. ونحن نقبّل ونسجد للصليب ليس للعبادة وإنما للتكريم لأنه بالصليب قد خلصنا من الموت والفناء، وأصبح الصليب إشارة افتخار بعد أن كان شعار لعنة كما هو مكتوب “ملعون كل من علق على خشبة”. والمسيح رفع هذه اللعنة عن البشرية برفعه مصلوبا. وكما يقول بولس الرسول “نحن نكرز بالمسيح مصلوبا عزة لليهود وجهالة لليونانيين” 1كور:23-24 ويقول أيضا “حاشى لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح” غلا 6:14 . و”المسيح مات عن الجميع” 2 كور 5:15. إذا عندما نسجد للصليب، لا نسجد للخشب أو الألوان، او نعبد الخشبة كما يحلو للبعض من اتهامنا بذلك، وإنما نسجد تكريمياً لشكل الصليب الذي صلب عليه المسيح ونتبرك برسمه على كامل الجسم.

ويقول احد كبار اللاهوتيين الروس:” ان رسم اشارة الصليب بهدوء وعلى كامل الجسم ولعدة مرات يبعد الشياطين لأن الصليب هو سلاح المؤمنين على الشياطين” ونرى رموز الصليب في العهد القديم مثل الحية النحاسية التي كل من نظر إليها يشفى. حيث كانت حية بلا سم كما كان المسيح بلا خطيئة. نعم أخذ طبيعتنا البشرية لكنه لم يأخذ الخطيئة أي لم يخطئ في حياته. وأيضا ترمز عصا موسى في ضربه للبحر الأحمر، والعدد الذي جعله موسى في الحياة المرة في صحراء سيناء وأصبحت عنده، ولو نظرنا لوجدنا أن الإنسان مخلوق على شكل صليب…

احتفالات سورية بعيد الصليب

:حافظت قمم معلولا والتي تتفرد (لابل حافظت حتى هذه الساعة على هذه الفرادة ودافعت عنها) في كل بلاد الشام والعالم المعمور آنئذ حيث تتزين كافة صخورها برسم الصليب المحيي… ولاتزال حتى الأمس القريب وقبل المحنة المدمرة التي مرت بها حين اجتاحها التكفيريون ودمروها وحرقوا اديارها وكنائسها وبيوت المواطنين فيها، وسرقوا ذخائرها المقدسة وايقوناتها الأثرية وتمثال الرب يسوع الذي كان في دير القديسة تقلا البطريركي ونبشهم لضريح القديسة تقلا البطريركي ورفاتها، واجراسه واجراس الأديار والكنائس الأخرى) والمحنة التي يمر بها الوطن الحبيب، وتحتفل العديد من حارات دمشق وحمص ووادي النصارى…تحتفل بايقاد الأكمة ( القَّبّيلة) ويعلوها صليب للدلالة… ولا تزال ذاكرتي تستمتع باستعادة شريط ذكريات حارة القصاع بتلك الاحتفالات، وخاصة في باحة كنيسة الصليب وهو عيد الكنيسة والموقع( بستان الصليب) ومنطقة عين الشرش( ساحة وحديقة جورج خوري حالياً)… وكيف كان الشباب يتبارون بالقفز فوق النيران النتأججة بالقنب المستجر من كفر بطنا بغوطة دمشق…

كنيسة الصليب المقدس في القصاع غروب العيد
كنيسة الصليب المقدس في القصاع غروب العيد
ايقاد شعلة عيد الصليب

كما ان احتفالات روحية تعم كل الكنائس في المشرق ودائرة الكرسيين الأنطاكي والأورشليمي في عيد رفع الصليب الكريم في 14 ايلول من كل عام، وفي احد السجود للصليب المقدس في الأحد الثالث من الصوم حيث يرأس البطريرك الأنطاكي الخدمة الالهية في كنيسة الصليب المقدس بالقصاع بدمشق منذ 1932 موعد بنائها معيدين الى الأذهان احتفالات دير الصليب المقدس الرهباني منذ ايجاده مع القرن الخامس المسيحي الى تدميره بيد تيمورلنك السنة 1405 وقتل رهبانه، وقداحتفظ المكان باسم بستان الصليب المقدس ولا يزال.

 

اشعال قبيلة عيد الصليب
اشعال قبيلة عيد الصليب
معلولا في عيد الصليب
معلولا في عيد الصليب
على قمم معلولا وتحضير الجذوات الخشبية لاشعالها ودحرجتها من اعلى الجبل على البلدة ليلا
على قمم معلولا وتحضير الجذوات الخشبية لاشعالها ودحرجتها من اعلى الجبل على البلدة ليلا

 

 

 

 

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *