مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع
السيرة الذاتية
هو الياس بن دياب معوض، ولد العام 1914 في قرية أرصون من المتن الأعلى في جبل لبنان.
تلقى علومه الابتدائية بصفته راهباً مبتدئاً في دير القديس جاورجيوس الحرف بجبل لبنان والإعدادية في المدارس الغسانية الأرثوذكسية في قسمها الاكليريكي الداخلي والتي كان قد أحدثها مطران حمص اثناسيوس عطا الله، والثانوية في المدارس الآسية الأرثوذكسية بدمشق وكان يقيم في دار البطريركية راهباً برعاية مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الر
ابع.
ثم ألبسه الثوب الاكليريكي عام 1927 في الكاتدرائية المريمية بدمشق.
أوفده مثلث الرحمات البطريرك الكسندروس الثالث عام 1934 إلى معهد خالكي اللاهوتي الشهير في اسطنبول، وحصل سنة 1939 على شهادته اللاهوتية…
عاد إلى البطريركية في دمشق فعينه البطريرك الكسندروس مديراً لمدرسة البلمند الاكليريكية ورسم كاهناً ورقي إلى رتبة الارشمندريتية عام 1941.
مطرانيته وأعماله خلالها
في عام 1947 انتدب إلى البرازيل لرعاية الجالية العربية في ريودي جانيرو، وبقي هناك ثلاث سنوات إلى أن انتخبه المجمع الأنطاكي المقدس مطراناً على حلب عام 1950. حيث جرى استقباله بشكل ملفت من الفعاليات الحلبية كافة.
مّثّلّ الكرسي الأنطاكي المقدس في المؤتمرات الأرثوذكسية العالمية في رودس أعوام 1961، 1963، و1964. وفي جنيف (سويسرا) عام
1968.
اشترك في أعمال الندوة العالمية للمسيحيين من أجل فلسطين في بيروت من 7 إلى 10 أيار 1970، حيث ألقى كلمة نشرتها دورية النور) لسان حال (حركة الشبيبة الأرثوذكسية) في العددين 4 و5 سنة 1970 الصفحة 183.
يتكلم ويجيد إلى جانب العربية، اليونانية والفرنسية والانكليزية ويعرف التركية والآرامية.
بطريركيته
منذ تسلمه السدة البطريركية أواخر عام 1979 بذل مساعٍ حثيثة لإعادة الشركة مع المطارنة الأنطاكيين المقطوعة الشركة معهم، من خلال فتح حوار والتراجع عما كان سبباً للقطيعة، وكان ذلك أول أعماله في يوم الأربعاء 21 تشرين الأول 1970، كمحاولة منه لتضميد جراح الجسم الأنطاكي وشدد على النظام المجمعي في الكرسي الأنطاكي المقدس.
زار كل الأبرشيات الأنطاكية ساعياً لتحقيق تطلعاته في نهضة إنطاكية منشودة، وساس الكرسي الأنطاكي بكل اقتدار ومحبة.
اهتم بالمدارس عموماً في دائرة الكرسي الأنطاكي المقدس كونها الأساس في نهضة الكنيسة والوطن، وأولى اهتماماً خاصاً بالتعليم اللاهوتي وتحديداً بمدرسة البلمند
وفقاً لرؤيته، وضع المجمع الأنطاكي المقدس الأعمال التي تنتظره في الدورات المقبلة ووزعها على ست لجان:
لجنة بطريركية استشارية، لجنة صياغة القوانين، لجنة الشؤون المسكونية، لجنة المعهد اللاهوتي، لجنة الرعاية، لجنة الأوقاف والمالية. يرئس كل لجنة مطران أبرشية، ويستعين بذوي الخبرة من اكليروس وعلمانيين.
وقد شهدت الأوقاف البطريركية في دمشق، والأديار البطريركية اهتماماً تنموياً واضحاً لزيادة ريعيتها.
خلف البطريرك الياس الرابع أسلافه البطاركة الأنطاكيي، وتحديداً، في نبل المواقف الوطنية، فعندما كان مطراناً لحلب كان منارة للوطنيين جميعاً، وكان بالتالي مطراناً لجميع الحلبيين مسيحيين بكل طوائفهم ومسلمين. وعندما أصبح بطريركاً واعتلى السدة الأنطاكية في دمشق، صار بطريركاً لكل العرب، ومرجعاً عربياً كبيراً حمل لواء العروبة في الداخل والخارج، ومقاتلاً عنيداً في الكلمة والقلم والفعل لأجلها. وخاصة بالنسبة للقضية المركزية فلسطين فقد كانت هاجسه الأكبر، وبرز ذلك جلياً في زيارته لأميركا عام 1977، وقد افتتح إحدى جلسات الكونغرس الأميركي بالصلاة. وكانت زيارته هذه هي أول زيارة يقوم بها بطريرك أنطاكي، وحتى أرثوذكسي إلى الولايات المتحدة الأميركية، وقد ألقى كلمة في الكونغرس الأميركي ضمنها صرخته من اجل فلسطين، وشعبها العربي وحقه في دولة مستقلة على تراب وطنه. وكذلك تناول في مباحثاته مع الرئيس الأميركي جيمي كارتر حق الفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم فلسطين، وإقامة دولتهم المستقلة على ترابها، وعاصمتها القدس. وتعرض لذلك لهجوم عنيف من قبل المحفل اليهودي الأميركي ( ايباك ) والصهيونية العالمية.
بطريرك العرب
يلقي البطريرك الياس الرابع كلمته في مؤتمر لاهور الاسلاميكان مثلث الرحمات البطريرك الياس الرابع، قد رئس الوفد المسيحي العربي إلى مؤتمر القمة الإسلامي الأول، المنعقد في لاهور بباكستان في شباط 1974، والمخصص من اجل فلسطين والقدس، وألقى كلمة كانت نبضاً حقيقياً للمسيحيين العرب وكانت بعنوان:” القدس”.وقد منحه هذا المؤتمر الذي هو ارفع محفل إسلامي عالمي لقب (بطريرك العرب).
نص الكلمة
إن هذا الشعب لا يزال حياً نابضاً مكافحاً بغية الرجوع , وإن كان من عودة حق فهي له لأنه بذلك يكون قد التحق بمنشئه واستقر في بيته , وإن القوم لمؤتمنون على حضارة كبرى ورسالة ناطقة خيراً للناس .
إن استمرارية التراث الذي يحمله الإنسان الفلسطيني لدعوة إلى قدس سيستعيدها أهلها ليسكنوا , فالبشر لا الحجر هم الحضور , فلسطينية القدس هي الوجه الإنساني والكوني الذي به تطل على العالم , لأن الدعوة الفلسطينية إن هي إلا تلاقي الناس على تعدد مللهم ونحلهم في الشورى والمعرفة والحقيقة .
والأماكن المقدسة لن تعني الكثير , ما لم يعش حولها المؤمنون من أهل البلاد , إذا غابوا عنها تبقى أثراً بعد عين , وهم فيها يتهجدون وقد لاصقوها من دون انقطاع منذ ألفي سنة , ومنها تلك المواجهة الحافلة بكريم المعاني , لما التقى الخليفة عمر بطريرك القدس في تقدير ومودة , وفي جهادنا المشترك اليوم , بات اللقاء بين المسلمين والنصارى , لقاء خلق واحد في وسط عروبة صافية , ذلك أن الصهيونية أتت بانكفاء عنصرية وعنجهية عسكرية وإجلاء السكان , وقلبت مقاييس الفهم في الشرق العربي , ولم تتورع عن تغيير المعالم التاريخية للمدينة المقدسة , متعدية على الميراث المقدسي الموحد , الذي يملأ حياتنا حبوراً ووثبات خلق , ونحن نريد معكم القدس معقل روحانية طاهرة يدافع فيه عن الإنسان , فيما نحـج إلى الله ونرسي المدينة المقبلة مع كل أهل الأرض , لا على شهوة الاستغلال , بل على التآخي والحق الراهن الضامن لمشاركة بين الشعوب خصبة طيبة . والسلام عليكم .”
تجول في مشارق الأرض ومغاربها( بالرغم من عمر بطريركيته القصير(1970-1979) ) مهتما
بالكنيسة المسكونية في كل مكان، لذا كان استقبال المؤمنين به بالترحاب في كل مكان زاره في العالم مكبرين فيه نفسه الرفيعة وإخلاصه للكنيسة الجامعة…
وفاته نقلاً عن مثلث الرحمات الأسقف ديمتري حصني، وكان وقتئذ ارشمندريتاً
في ليلة يوم 21حزيران 1979 ، وكان غبطته سهراناً (إذ كان يحب السهر كثيراً حيث يكتب ويقرأ…) في تلك الليلة وبطلب من غبطته كان سهراناً معه الارشمندريت ديمتري حصني وبعض الإكليريكيين في غرفته بدار البطريركية في دمشق، وكان الانزعاج والتوتر باديين على غبطته وقد استمرت تلك السهرة إلى ما بعد الساعة الثانية بعد منتصف الليل، وكان الحديث عن ما كان غبطته يأمل في تحقيقه من نهضة منشودة زرع لها في العديد من تلاميذه الحاليين (بعض المطارنة)، ومما قاله رحمه الله لمجالسيه في ختام حديثه وقبيل وداعه لهم :” لقد تعبت… لذلك سأترككم…” فأجابه الارشمندريت ديمتري والبقية وبصوت واحد:” سلامة قلبك يا سيدنا” لكن غبطته كرر كلامه مجدداً. وذهب الجميع، منهم إلى غرفته بدار البطريركية، ومنهم إلى بيته وكان منهم الارشمندريت ديمتري الذي بمجرد وصوله إلى بيته في منطقة الغساني في القصاع واستعداده للنوم، وأثناء قيامه بالصلاة، رن جرس الهاتف من البطريركية، وأُخبر بالنبأ الفاجعة (وفاة البطريرك)، وهكذا كان وتحققت نبؤة غبطته بوفاته التي كان قد تنبأ بها قبل ساعة.
حال وقوع الوفاة تم إبلاغ أعضاء المجلس الملي البطريركي الدمشقي، بعد أن أكد الأطباء الذين اشرفوا على ساعته الأخيرة واقعة الوفاة، فتم إبلاغ أعضاء المجمع المقدس والبطريركيات الأرثوذكسية، وقال كثير من المقربين من غبطته من العلمانيين، انه سبق وفي الأسبوع الأخير له أن قال لهم ما قاله عن انتقاله في الليلة الأخيرة. ( انتهت رواية الارشمندريت ( الأسقف) حصني رحمه الله لي)
صَعَقتْ للنبأ أصقاع العالم الأرثوذكسي، وغمرته موجة من اللوعة والأسى بترجل هذا الفارس والمجاهد الأنطاكي باكراً عن صهوة الجواد الأنطاكي الأرثوذكسي الأصيل…
جنازته
جُنِزَ، رحمه الله، باحتفال مهيب بحضور رئيسي مجلسي وزراء سورية ولبنان في الكاتدرائية المريمية الاستاذ محمد علي الحلبي والاستاذ سليم الحص، ودفن في مدفن البطاركة
، وقد قيل وقتها، انه في ليلة وفاته زار البطريركية سراً المرحوم الرئيس حافظ الأسد الذي كان يكن له كل الاحترام والتقدير لنبل مواقفه تجاه سورية والقضية الفلسطينية، والقى نظرة الوداع الأخيرة على هذا المناضل القومي العربي.
صفاته
تميز رحمه الله بالشفافية والوضوح والواقعية، وبالمحبة والحنو فكان لا يرد محتاجاً، كما تميز بالغيرة الوطنية والقومية ومواقفه مشهودة.
أجاد رحمه الله إلى جانب العربية، اليونانية والفرنسية والإنكليزية والبرتغالية ويلم بالتركية والعبرية والآرامية…
كان مولعاً بالأدب الكنسي وكان يقرض الشعر بالعربية واليونانية، وله كتاب حول الشعر اليوناني الحديث، نشرته وزارة الثقافة في سورية عام 1959. له كذلك كتاب ” طريق النعمة” وقد عربه عن الانكليزية، وكتاب بولس الرسول وقد عربه عن الفرنسية للكاتب هولزنر وهو من أروع ما كُتب عن بولس رسول الأمم ومرجع رئيس عنه.
صدر له أيضاً كتاب ” الآباء الرسوليين” عن منشورات النور مع رابطة الدراسات اللاهوتية في الشرق الأوسط.
نقل عن اليونانية كتاب ” الحياة في المسيح” لنيقولا كاباسيلاس. وله مقالات أدبية ولاهوتية عديدة كما أن له العديد من الترجمات نشرتها له مجلة العصبة الأندلسية والأديب والثقافة والمعرفة والنعمة والنور… احدث مجلة النشرة البطريركية بدورها الاول من 1970- 1974…
يُعدُ رحمه الله أحد آباء الكنيسة العظام في زهده بالدنيا ومبهجاتها وبالمال والمقتنيات والمجد الباطل، وقد مات كما عاش راهباً عاشقاً نذورها وعاشقاً لأنطاكية وللوطن.
رأي شخصي
لم تحظ هذه القامة الروحية والوطنية والقومية الكبيرة بالتكريم الذي كان يتوجب على الدولة السورية القيام به، لقد بذل كل جهد ممكن كي يرسخ قضية فلسطين وحقوق شعبها اللاجئ والمشرد عن وطنه بالعودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، لذا كرمه أكبر محفل إسلامي عالمي/ تقديراً لهذه الجهود التي لم يقم
بها أي طرف/، وسط تجاهل رسمي سوري…!
هذه دعوة لمن بيده الأمر، إذ يتوجب ان يطلق اسمه تكريماً على ساحة أو شارع، أو مدرسة في دمشق وحلب…
وأعتقد ان هذا حق وواجب…
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً