مصور ايقونات كنيسة الصليب المقدس الفنان، أ. ميلاد الشايب
توطئة
كاتب الايقونات الفنان التشكيلي ميلاد الشايب
احتفالية : “الآسية مسيرة قرن ونصف 1840-1990”
زرته في بيته فلقيت كل الترحاب منه، وسروره بهذه المبادرة، وسره اني تصديت لتوثيق تاريخ وواقع هذا الصرح. واستفدت من مخزونه الفكري في كتابي “الآسية
كان لي شرف التواصل مع هذا الفنان المعلم عام 1991 عندما كنت مكلفاً من قبل غبطة ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع(1979-2012) بإعداد الاحتفالية وتاليف كتابها التوثيقي بالاسم اعلاه، التي قررت بطريركية انطاكية وسائر المشرق وإدارة مدارس الآسية اقامتها بمناسبة مرور” قرن ونصف (1840- 1990) على إعادة تأسيس مدارس الآسية” بيد الخوري يوسف مهنا الحداد الدمشقي والذي تم اعلان قداسته عام 1993 باسم الشهيد في الكهنة القديس يوسف الدمشقي…
كنت أقوم بكتابة تاريخ هذا الصرح التربوي الرائد في التعليم عموماً في بلاد الشام منذ 1635 وفي التعليم الخاص بشكل خاص، ودوره التربوي واللاهوتي والريادي في الواقع الارثوذكسي الانطاكي عموماً والدمشقي خصوصاً… والذي اسميته:
“الآسية مسيرة قرن ونصف 1840-1990”
راجعت وقتها العديد من الشخصيات الاكليريكية والعلمانية، والارثوذكسية والرسمية وحتى من العامة من مختلف الأطياف، الذين تخرجوا في الآسية، وبعضهم قام بالتدريس فيها وكان منهم هذا العلم، لأستفيد من ذكرياته كطالب درس فيها ونال فيها الشهادتين الاعدادية والثانوية، ثم علم فيها مادة الرسم… سيما وان ارادة غبطته انصرفت الى تكريمه بوسام الكرسي الانطاكي.
مسيرة قرن ونصف” اصدار البطريركية والموزع بهذه المناسبة…
كان رحمه الله يجيبني بكل سرور وممنونية وتواضع، وقام مشكوراً بتلبيتي رغم ضيق وقته برسم صورة “الاقمار الثلاثة” شعار التعليم الارثوذكسي عموماً وشعارمدارس الآسية خاصة حيث اكملناها بوضعها ضمن راية، خصصناها راية لمدارس الآسية الموضوعة منذ تاريخه واليوم في غرفة ادارة المدرسة، واصبحت الشعار الدائم للآسية…واستفدنا منها كنموذج في صنع الميداليات التذكارية التي تم توزيعها في الاحتفالية بهذا الحدث، كما انه ووفق وقته الضيق قام بتخطيط بعض اللافتات التي كتبتها وفيها الكلمات المعبرة كمساهمة منه في الاحتفالية… وساعدني برؤيته الفنية في اعداد المعرض العلمي والفني والكشفي المرافق وقد افتتحه غبطته في ختام اليوم الاول للاحتفالية.
وكان في الفترة الأخيرة قبيل موعد الاحتفالية التي تمت ايام السبت والاحد والاثنين 15 و16 و17 ايلول 1991 يزورني باستمرار في المدرسة ليطلع على آخر المستجدات لهذه الاحتفالية، وكان سعيدا ان تقام هذه الاحتفالية لمدرسته المحببة على قلبه، شاكراً لغبطة ابينا البطريرك اغناطيوس الرابع ونائبه الآنسة لمياء السبع على تكريمه، وشكرني شخصياً على نجاحي باعداد ماقمت به في الاحتفالية لجهة المعرض، والكتاب… كما كانت سعادة كل من راجعتهم وجميعهم صاروا في جنان الخلد يعيشون هناك بكل غبطة…امثال الاساتذة العلماء ناظم كلاس رئيس قسم التاريخ بجامعة دمشق، د.عبد الكريم رافق الاستاذ الجامعي في جامعة دمشق والجامعات الاميركية، شحادة الخوري رئيس قسم التعريب في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجوزيف وهبة وجورج عويشق وابراهيم عرموني وانطوان مقدسي، وغسان افرام والفنان الاستاذ الياس زيات اطال الله بعمره.
من هو الفنان ميلاد الشايب؟
ولد علمنا الفنان ميلاد الشايب في قرية معلولا عام 1918، وهو شقيق اول طبيبة تخدير في سورية الدكتورة ناديا الشايب. انتقل مع عائلته طفلاً الى دمشق، وتلقى تعليمه في مدرسة الآسية الارثوذكسية، وبدأت رحلته الفنية التشكيلية في سن مبكرة جداً، وللفنان توفيق طارق الذي تتلمذ عليه فناننا الشايب دور كبير في دعمه وتشجيعه، إذ قدم له الكثير من العلوم والمعارف التي يمتلكها في الفن التشكيلي، كما وفر له فرصة المشاركة ببعض اللوحات الفحمية والرصاصية في معرض دمشق الأول عام 1936، وفي العام نفسه أنجز الفنان أيقونات “كنيسة الصليب المقدس” في منطقة القصاع بدمشق عندما أُنجز بناؤها وأُقيم الايقونسطاس الرخامي الفخم عام 1936 وكلف بتصوير ايقونات الايقونسطاس( الحالية)، ما أشار إليه البعض بأن هذا كان دليلاً واضحاً على أن هواجس الفن الكنسي كانت مترسخة منذ بداياته في وجدانه، إذ كان ذلك قبل بلوغه الثامنة عشرة من العمر، وخلال حياته ومسيرته الفنية يقال بأنه أنجز أكبر عدد من الإيقونات الكنسية، التي جسدهابأساليب الايقونة السورية، والبيزنطية الرومية، والروسية.
اضافة الى اللوحات التشكيلية…
وهذا ما اكد عليه بالتالي الفنان والاستاذ الجامعي وعميد كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق سابقاً الياس زيات مصور الايقونات الشهير أطال الله عمره، وقد اضاء على الفنان ميلاد في غمرة اعياد الصليب المقدس عام 2010 بمحاضرة مشتركة معي هو تناول فيها هندسة الكنيسة وايقوناتها وقد تحدث عنه كمعلم بشكل رائع، بينما تحدثت انا عن الكنيسة تاريخيا وحاضراً وقصة بناء واستمرار، وقد فوجئت لشدة وفائه نحو المعلم ميلاد الشايب.
بعض من السيرة والتأهيل
درس دراسته الابتدائية والاعدادية والثانوية في مدارس الآسية الارثوذكسية وبرز نبوغه في الرسم وعندما كان طالباً في الآسية قد تتلمذ على الفنان الرائد توفيق طارق مدرس مادة الرسم في الآسية وقتئذ الذي شجعه على المضي في هذا المجال،
و شارك بتشجيع من معلمه توفيق طارق بعرض أعمال منفذة منه بقلم الرصاص والفحم في معرض دمشق الأول عام ١٩٣٦ والذي أقيم في مدرسة التجهيز الاولى(ابن خلدون حالياً) وقد نال الميدالية البرونزية على ما سمي وقتها “صناعة الرسم”.
في نفس العام عمل على إنجاز أيقونات كنيسة الصليب المقدس في القصاع.
في جبل آثوس الرهباني
ذهب إلى اليونان وتعلم أصول فن الأيقونة قرابة السنتين وذلك في جبل أثوس المقدس الرهباني في اليونان مابين 1938 و 1938 ثم توجه الى روسيا بايفاد من البطريرك الكسندروس الثالث لمتابعة تأهيله في فن الرسم، ولكنه لم يطل مدة تأهيله حيث عاد الى دمشق، وكان قد اكتسب خبرات عالية في روسيا بالرغم من قصر المدة.
تعيينه ناظراً ومعلماً في الآسية
بعد عودته من روسيا عين ناظراً عاماً لمدارس الآسية الارثوذكسية الدمشقية بتزكية من المجلس الملي البطريركي الدمشقي وموافقة البطريرك الكسندروس الثالث، حيث عمل فيها ايضاً مدرساً مادة الرسم والتربية الفنية، وقد قام ايضاً بتدريس الفنون في عدد من مدارس مدينة دمشق وريفها.
في روسيا
ثم أوفد عام ١٩٥٨عن طريق منحة من البطريرك الكسندروس الثالث طحان بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس وذلك الى موسكو لدراسة الفنون التشكيلية في معهد سوريكوف وتخرج منه عام 1965.
وخلال وجوده في موسكو تاثر كثيرا باعمال الفنان الروسي الشهير أندريه روبليڤ رسام الايقونات الروسي الشهير …فطور لنفسه اسلوب واقعي مذهل في كتابة وتصوير الايقونات، ماجعله رائداً في هذا المجال على صعيد الوطن السوري ودمشق.
تعيينه بكلية الفنون الجميلة استاذاً جامعياً
بعد عودته الى دمشق، تم تعيينه في كلية الفنون الجميلة كمحاضر وحتى آخر أيامه، كما كان يدرس في معهد إعداد المدرسين، ومركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية، ومعهد الفنون التطبيقية،اضافة الى تدريسه مادة الرسم والفنون الجميلة في عدد من مدارس مدينة دمشق.
تكريمه
-بمناسبة احتفالية بطريركية انطاكية وسائر المشرق وادارة مدارس الآسية بمرور 150 سنة على اعادة تأسيسها وقد تم ذلك برئاسة مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع . كرمه غبطته في الاحتفال المركزي مساء السبت 15 ايلول 1991 في باحة المدرسة وبحضور الوزير حيدر بوظو احد خريجي الآسية والاعلام الذين بقوا على قيد الحياة عامئذ من خريجي واساتذة ورواد الآسية وعدد من الاساتذة الحاليين ونائب الصاحب الآنسة لمياء السبع وكرم العديد من هؤلاء الرواد على ما قدموه للكنيسة و المدرسة، بتقليدهم وسام الكرسي الانطاكي المقدس
–كرم من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد عام ١٩٩٦وذلك في مكتبة الأسد مع عدد من زملائه الفنانين الرواد بالوسام الوطني السوري.
– وفي سنة 2005 أقيم له تكريم في صالة إيبلا للفنون بمهرجان خطابي.
مآثره
كان طوال حياته ناشطاً انسانياً ومدافعاً عن المستضعفين في اي مكان ولأي دين او حزب انتموا، وهذا ما دفعه لان يشارك عام ١٩٤٦ بتأسيس المستوصف الخيري الأرثوذكسي التابع للبطريركية والذي كان يقدم خدماته لكل أطياف المجتمع الدمشقي وهو البديل عن المستشفى الارثوذكسي الدمشقي الذي تأسس عام 1900 وتوقف في اول الاربعينيات بسبب الوضع المادي الصعبن وتمت الاستعاضة عنه بتأسيس جمعية المستوصف الخيري الارثوذكسي بطلب وتوجيه من البطريرك الكسندروس الثالث من قبل العديد من الاطباء الدمشقيين الارثوذكسيين ومنهم اولاً انستاس شاهين وكوسه انجلو…
كان فناننا من عداد الوفد السوري الذي شارك في عام ١٩٥٥ ب”مؤتمر السلام العالمي” المنعقد في مدينة وارسو/ بولونيا مع عدد من رجال الفكر والثقافة حينها.
فنان معلم وأستاذ الأساتذة
عمل ميلاد استاذاً في كلية الفنون الجميلة بدمشق، واستمر في عمله حتى رحيله، إذ تمكن ببراعته وعفويته وبساطته أن يدخل إلى قلوب طلابه، فدفعهم إلى حب الفن كما هو يحبه، وساهم في بناء العديد من الأجيال الفنية التشكيلية.
شارك الشايب في الكثير من المعارض الفنية الجماعية المهمة، إلى جانب معارضه الخاصة والفردية، وصفه الفنان غازي الخالدي بأنه “أستاذ الأساتذة”، وكذلك فنان الايقونات الياس زيات، وقال عنه فاتح المدرس: “فنان معلم، وأبرع من مسك قلم الرصاص”، فلميلاد أسلوبه المتميز والمختلف في التصوير الزيتي بشكل خاص، الأمر الذي كان له دور مهم في بروزه على الساحة الفنية التشكيلية، فجمع في لوحاته العفوية والواقعية.
حتى قال عنه فاتح المدرس:” ميلاد الشايب فنان معلم، وأبرع من أمسك قلم الرصاص.”
الصمت والأصالة
كما وصف بأنه فنان الإيقونات الصامة، وفنان الأصالة، عمل وسعى دائماً لخدمة الفن بعيداً عن الضجة والضوضاء والدعاية لنفسه، حتى رحيله في عام 2000، وإيقوناته موجودة ابداً في كنيسة الصليب المقدس بالقصاع وقد صور ايقونات الايقونسطاس وتوجد لوحاته في المتحف الوطني بدمشق ومتحف دمّر، و ايقوناته في كنائس معلولا ودمشق…
هكذا كانت حياة الرسام والفنان والمدرس ميلاد الشايب، الذي لم يبحث عن الظهور، إذ كان همه الأول والأخير يتمحور حول خدمة الفن، الذي كرس نفسه وجهده له، فتمكن بلوحاته أن يحملنا ويأخذنا إلى الحياة القروية، والمجتمع الريفي بكل ما فيهما.وفقا لما نشر بصحيفة الوطن.[/JUSTIFY]
تميزت أعماله بالواقعية الانطباعية فقد استوحت مواضيعها من حياة الناس والطبيعة الجميلة وقد كان بارعاً في رسم الوجوه بالإضافة إلى كونه رائداً من رواد الحركة التشكيلية السورية ويعتبر من أهم فناني الأيقونات في سورية وكانت أعماله الفنية التشكيلية وأيقوناته سفيراً للإبداع السوري في كثير من دول العالم .
وقد كانت بلدته معلولا ملهمته ومصدر وحي له رسمها وخلدها في كثير من اللوحات الرائعة وقد استطاع أن يوظف موهبته وقدراته الفنية في خدمة الفن الجميل فنقل الواقع بكل ما فيه من مشاعر وأحاسيس نقلاً صادقاً معبراً ومتضمناً طابع بلاده المحلي .
عمل أستاذاً في كلية الفنون الجميلة فعرف كيف يخاطب عقول طلابه وقلوبهم وكيف يدفعهم إلى حب الفن وذلك ببراعة وعفوية وبساطة مما ساهم في بناء الأجيال الفنية الصاعدة .
آمن الفنان ميلاد الشايب بدوره في الإبداع الفني من خلال صدقه وأصالته ورهافة حسه فظل أميناً ومحافظاً في جميع مراحله الفنية على الأسلوب الذي بدأه وترك لحساسيته حرية التعبير بلغته الفنية الخاصة كان فناناً صامتاً يعمل لخدمة الفن بعيداً عن الضوضاء والأضواء حتى انتقل الى الأخدار السماوية عام 2000 وبقيت أعماله خالدة .
وفاته
توفي بتاريخ 13/12/ 2000 واقيم له مأتماً حافلاً وجنز في كنيسة الصليب المقدس بحضور جمع غفير تقدمهم ارباب الفن التشكيلي وكل اهل معلولا وتم تابينه اثناء الخدمة الالهية بتعداد مناقبيته وروحياً وارثوذكسياً وفنياً ووطنياً…ووري الثرى في مدفن القديس جاورجيوس الارثوذكسي بدمشق.
الخاتمة
كرمه غبطة البطريرك أغناطيوس هزيم بوسام النجمة الفضية.
1996 نال تكريم رئيس الجمهورية مع الفنانين الرواد بميدالية ذهبية تقديرا لعطائه المميز.
بمناسبة ذكرى رحيله الخامسة عشر في عام 2015 تحدث الفنان المبدع بطرس المعري عن معلمه الفنان ميلاد الشايب مشيداً ومقرظاً والحق معه ان يشيد بهذا المعلم والفنان الذي كان لي شرف التعاون معه كما اسلفت.
مما قاله عنه: “إن أهمية ميلاد الشايب تأتي من أنه معلّم الرسم للجميع، ربما قلّة ممن مروا على كلية الفنون الجميلة، كأساتذة وطلاب مميزين، لم يتعلموا على يده كيف يمسكون بقلم الرصاص وكيف يخططون به الرسم وينقلون عن الواقع”. وتابع:” وفي الحقيقة إن الشايب كان من أول الوجوه التي يقابلها الطلاب في كلية الفنون الجميلة منذ ستينات القرن الماضي، وحتى خواتمه، إن لم يكن الوجه الأول الذي يقابلونه. فقد كان يجول في اليوم الدراسي الواحد على جميع طلاب السنة الأولى، حتى حين قارب عددهم في بعض السنوات المائتي طالب، غامراً بملاحظاته، المحكية والمرسومة، مشاريعهم الدراسية جميعهم، مازجاً بتفرد محبب بين صوته الجبلي الحازم، وإحساسه الأبوي الدافئ حتى أسميناه بين بعضنا (أبونا ميلاد) فلما تناهى إليه خبر التسمية قال باستنكار ودود: “وهل رأيتموني أطلق لحيتي كخوري؟” وأجّلنا الجواب لبضعة أسابيع تالية إلى حين اصطحبنا إلى بلدته معلولا الرائعة لنرسم بيوتها وجبالها المدهشة، جرياً على تقاليد كبار التشكيليين السوريين، وحين قدّم لنا في منزل أسرته الصغير هناك، ما أحضره من شطائر و(مخبوزات) قلنا له: “هذا ما عنيناه حين سميناك أبونا ميلاد”. وقد كرّس هذا الإحساس بأبوته، في كل لقاء له مع طلابه، ومنها يوم قاد المعسكر الفني لطلاب كلية الفنون الجميلة عام 1987 في بلدة (الكفرون) الساحرة، فأسبغ على سحرها سحر نقائه وإنسانيته.
تخطت سمعته كأستاذ بارع حدود الكلية، حتى صار الطلاب الراغبون في الانتساب إليها يلجؤون إليه ليتعلموا على يديه مبادئ الرسم إلى أن افتتح ورشة صيفية في بيته، وقبل افتتاحها كان كثير من أساتذة كلية الفنون الجميلة يرسلون له (بالمونة) الطلاب الراغبين بالانتساب للكلية حتى يدربهم. وكان يقوم بهذا العمل طوعاً دون أدنى تذمر. ومرة كنت في زيارته، بعد تخرجي بسنوات، وشاهدت الطلاب المتدربين يملؤون صالون بيته. فقلت له إن ما يفعله بالنسبة لهم لا يفعل مثله أحد، لكن لا يجوز أن يكون هذا الجهد مجانياً، خاصة انه يتم على حساب راحته وهدوء منزله. واحتاج الأمر مني جهداً ووقتاً طويلين حتى اقتنع بتقاضي مبالغ رمزية، رغم أني أخبرته عن الأجور المرتفعة التي يتقاضاها مدرسون لا يمكن مقارنة إمكانياتهم وخبراتهم بإمكانياته وخبرته.”
وتابع المعري: “مع كل المحبة التي امتلكها فناننا في قلوب طلابه، والتقدير الكبير الذي حملوه له، والملاحظات الدقيقة والعميقة والصائبة التي حرصوا على الحصول عليها منه، فإنهم جميعاً كانوا يتجنبون اختياره كأستاذ مشرف على مشاريع تخرجهم!!.
وحتى لا يلتبس الأمر على القارئ فإن وراء هذا الأمر يقف سبب وحيد، وهو أن الطالب يوم تحكيم مشروع تخرجه يأمل من الأستاذ المشرف أن يدافع عنه أمام لجنة التحكيم، و”أبونا ميلاد” كان يدافع عن مشاريع جميع الطلاب بحرارة غالباً ما تفوق دفاعه عن مشروع طالبه المسؤول عنه. ومع ذلك فيوم تخرجنا من الكلية قررنا أن نقيم معرضاً مشتركاً تحية له، ولما أخبرناه بنيتنا اقترح علينا بتواضع صادق اسم فنان آخر، وهو يعلم أن الفنان المقترح يملك من المحبة والتقدير في نفوسنا بمثل ما يملك، بما يؤهل اقتراحه للتحقق.”
أشارالمعري أيضاً إلى أن ميلاد الشايب كرس حياته لنشاطين أساسيين، رسم الأيقونات والمشاهد الدينية وتدريس الرسم. فلا تخلو كنيسة دمشقية أو في ضواحي دمشق من عملٍ، أو ربما أعمالٍ موقعة باسمه.كما أشار إلى كون ميلاد الشايب هو من أوائل المصوّرين السوريين، عاصر (توفيق طارق) ورسم إلى جانبه، ودرس الفنون في معهد (سوريكوف) بموسكو وتخرج منه في عام 1965.
إلا أن الإشارة الأهم كانت في قولالمعري: “إن الأساس الأكاديمي الصحيح لا بد منه…
ولا بد للكلية ومعاهد تدريس الفنون من حضور ميلاد مشابه.”
وانا اختم بقولي ان اعمال كل فنان تخلد ذكره، فكيف ان ايقونات كنيسة قاعدية ككنيسة الصليب المقدس بالقصاع بكل مكانتها وشهرتها هي من آثاره الخالدة والتي تشفع له عند صاحب الكنيسة على الدوام…
وتجعل ذكره مؤبداً.
مصادر البحث
-تجربتي الشخصية
-شهادات شفهية
-الوثائق البطريركية
-ويكيبيديا الموسوعة الحرة
اترك تعليقاً