من تواريخ الاساطير والاديان والموروثات…

من تواريخ الاساطير والاديان والموروثات…

من تواريخ الاساطير والاديان والموروثات...

من تواريخ الاساطير والاديان والموروثات…

من تواريخ الاساطير والاديان والموروثات…

مدخل التدوينة

من أين أتت حكايا سندباد، وعلي بابا والأربعين حرامي، وأصحاب الرايات الحمراء واليبضاء والسوداء و الأردية السوداء في الخيال الشعبي في بلاد فارس والعراق؟!!
قصة ألوان الأعلام السوري والعراقي والأردني والفلسطيني والمصري واليمني والكويتي والإماراتي وتعاقب الأحمر و الأخضر و الأبيض و الأسود 🇸🇾🇾🇪🇵🇸🇯🇴🇰🇼🇮🇶🇪🇭🇪🇬🇦🇪.
تاريخ ثورات العلويين و الهاشميين و العباسيين وأصل تسمية المسلمين، وحركات الأئمة والأنبياء المحليين و تمرداتهم وماهية الرواية الإسلامية العباسية في حقبة متقلبة مبهمة في بداية العصر العباسي الأول…
** عارف معين و د. سام مايكلز Dr. Sam Michaels

 

للاجابة سوف نأخذكم برحلة تغوص في أعماق التاريخ في بلاد فارس، وشمال الجزيرة العربية بعد نهاية حكم عبد الملك بن مروان اي الحكم الأموي، وحتى بداية العصر العباسي، رحلة تعَّبِّر عن مراحل تكوين وتاريخ الدولة الإسلامية الحقيقي! في مرحلة ما بعد يزدغرد الثالث “عبد الملك بن مروان” و محمد إبن الحنفية بدأت تظهر آثار دين جديد إسمه الإسلام، و في فترة العصر العباسي الأول بدأت المؤلفات الإسلامية وكتابة الرواية العباسية الإسلامية للسير والتفاسيرالأحاديث، وظهرت قواعد النحو وضوابط اللغة العربية، كحركات الإعراب و التنقيط والهمزة والشدة، و نُسجَتْ كتب الأحاديث والسيرة النبوية وأُلّفت الروايات الإسلامية. كانت بلاد فارس هي مطبخ ومصنع الأفكار الإسلامية التي وصلتنا عبر هذه الكتب، و في هذه الفترة بدأ ظهور و إستعمال كلمة “المسلمين” التي أطلقت على الجماعات الإسلامية. لذلك نريد أن نسبر تاريخ وتراث هذه الفترة بالذات وما حصل فيها من ثورات و تمردات، أنتجت لنا الدولة العباسية، وروايتها الإسلامية المعروفة التي وصلت لنا بشكلها الحالي اليوم.

ابو مسلم الخراساني

 

أبو مسلم الخراساني

 

بعد أن سيطر الأمويون على المنطقة، و قاموا بإخماد حركات ما سميت ب”الخوارج” المتمردة، بدأت حركات الكفاح المحلي في ربوع الشرق من قبل “أنبياء” و أئمة محليين، ثم تبلورت و انصهرت في بوتقة واحدة ألا و هي الإجماع على رفض حكم الأمويين، ومن ثم تم قطف ثمارها من قبل أتباع الثورة الهاشمية، والتي شكلت فيما بعد الدولة العباسية.
فيما يلي استعراض بسيط لهذه الحركات المحلية، وما كانت عليه تطلعات سكانها الأصليين
حركات الجبال، سندباد والمسلميا Muslimiyya (أصل كلمة أو…تسمية “المسلمين”؟)
الجبال هي زاغروس أو زاغورس التي أطلق اليونان عليها إسم (ميديا الصغرى). كان سكان تلك المنطقة يعرفون ب”الفهلويين” نسبة” إلى مفردها “فهلوي” و لكن سابقاً كانوا يعرفون ب”الفرثيين أو البارثيين” نسبةً إلى مملكة “فرثيا أو بارثيا Parthia”. وقد عاشت هذه المنطقة بهدوء نسبي بعد تمرد دام تسعين 90 عاماً امتد من سنة 650 م إلى 740 م. بعد هذا التاريخ بدأت تحركاتهم مع تمرد العلويين بقيادة عبد الله بن معاوية، الرجل القوي الذي جمع المتمردين حوله من الخرميين أو الخراميين. لكن بالرغم من كونهم يتحدرون من جبال زاغروس فقد انتقلوا مع عبد الله بن معاوية إلى خراسان. في منطقة (هرات) بخراسان تمكّن أبو مسلم الخراساني من نصب كمين لعبد الله بن معاوية فأسره وسجنه ثم قتله، فأصبح هو قائد هذه الحركة، أي أنه أصبح قائد الخرميين/ الخراميين بالرغم من أنه تم تجنيدهم من جبال زاغروس، أصل الخرميين، وهؤلاء كانوا يختلفون عن تاريخ الخرميين الذين بقوا في الجبال حيث كانت لهم سلسلة تمردات أخرى…

المسلميا، المسلمية ( Muslimiyya)

انتشار المذاهب والشيع في بلاد فارس ومابين النهرين
انتشار المذاهب والشيع في بلاد فارس ومابين النهرين
كل من حركة جبال زاغروس أو زاغورس، والأذربيجانيين حُسبت على أنها تحشدت حول خراميي أبو مسلم و تجمعوا حول مصيبة موت أبي مسلم، مثلما تجمع المسيحيون حول المسيح. كانت فكرة موت أبي مسلم أن موته كان لأجل خلاصهم، وهذا كان قدرهم. ومن هنا بدأ دين الخراسانيين!
فعند أهل خراسان أبو مسلم كان بطلهم على الرغم من أن ولائهم كان للعباسيين. لكنهم تجاوزوا هذه المحنة بين الولاء للعباسيين قاتلي أبا مسلم و بين تعظيم أبي مسلم، و هم لم ينكروا موت أبو مسلم واعترفوا بموته. لذلك يضعهم بعض المؤرخين تحت خانة “الرضامية/ الرضا مية” لكن بطريقة مختلفة قليلاً. على هذا كان حال معظم الجيش المنضوي تحت راية العباسيين. بقي معظم الخراسانيون لا يعترفون بموت أبو مسلم و ساد لديهم إعتقاد بأنه سوف يعود ليقودهم من جديد. كان المعتقد في بلاد (مرو) و(هرات) أن أبو مسلم حلت فيه القداسة و دخلت في جسده أرواح الملائكة مثل جبريل و ميكائيل و غيرهم من الملائكة قبل موته، وأصروا أن المنصور لم يقتل أبا مسلم بل أن الشيطان تلبّس بصورة المنصور، وأن أبو مسلم سوف يعود، و قد أطلق على هذه الجماعة إسم “البرقوقية”. بعض من المسلميا عرفوا أبو مسلم أنه إمام فقط ،وهو قائدهم السياسي وأعلى سلطة دينية ظهرت لهم، أي إمامة أبو مسلم هو ما كانوا يعترفون به، و هذا ما كان يعرف عن جماعة “المسلميا”، و من المؤكد أن تعبير المسلمية أو الإسلامية انتشرت في جبال زاغروس وأذربيجان بهذا التعريف. بالرغم من أن أبو مسلم لم يعرف له أي قداسة في هذه المناطق حتى القرن التاسع الميلادي
كان المسلميا يعتقدون أن علياً / علي نقل الإمامة إلى إبنه الحسن، ومن ثم لابنه الحسين، ومن ثم انتقلت إلى إبنه الثالث محمد إبن الحنفية، و قسم منهم اعتقدوا أن الإمامة انتقلت من علي إلى محمد إبن الحنفية مباشرةً لأن أمه كانت من العبيد المظلومين. لكن تم رفض وتصغير معتقدهم، واعتبروا متطرفين، وأُطلق عليهم لقب “الغلاة”. لكن تبعهم الخراميين بهذه الفكرة، فقالوا أن الإمامة انتقلت من محمد إبن الحنفية إلى إبنه أبو هاشم و أن أبو هاشم قلد الإمامة إلى شخص ليس من العلويين، ولا ينتسب لهم وهو علي إبن عبد الله إبن عباس، ومن ثم انتقلت منه إلى إبنه محمد بن علي، و من ثم انتقلت الإمامة إلى إبراهيم بن محمد المعروف ب”إبراهيم الإمام” و هو الشخص الذي كلف أبو مسلم بالذهاب إلى خراسان، ومنه انتقلت الإمامة إلى أبو مسلم أو إلى أبو العباس بحسب رأي أتباعهم، وأبو العباس (كما هو متعارف عليه بحسب الروايات الإسلامية كان أول حاكم عباسي إذ لا وجود لأي عملة ولا أي دليل عليه)، ومن ثم انتقلت الإمامة من أبو مسلم أو أبو العباس إلى أبو جعفر المنصور (أيضاً كما هو متعارف عليه بحسب الروايات الإسلامية فلا وجود لأي عملة ولا أي دليل عليه) الذي خسر الإمامة عندما قتل أبو مسلم!.
بطريقة أو بأخرى وجد المسلميا أنفسهم خارج تشيع العباسيين، وأنه لم يكن يوجد من يستحق الإمامة داخل الهاشميين، وأنها بقيت في أبي مسلم!!
وجد الخراميون أنه كان هناك خطأً كبيراً قد حدث في قيادة جماعات المسلمين؛، فكيف للعلويين أن ينقلوا السلطة إلى العباسيين؟ و كيف بقوا موالين للعباسيين على الرغم من أن العباسيين أكلوا حقوق أبا مسلم؟! ..
كان المسلميا يعتقدون أنهم هم المسلمين الصحيحين فقط، وأنهم دخلوا الإسلام، وفهموا معناه ثم خرجوا منه، لكنهم كانوا يريدون أن يبقوا محسوبين عليه، وأنهم يتبعون الإسلام، وإن تخفوا خلفه.

لكن يبدو أن المصادر كانت صحيحة بأنه لم يتحول دينهم إلى الإسلام في الحقيقة، لكنهم غيروا مفهوم الإسلام ليتلاءم مع ما كانوا يعتقدون به وما يتقفون عليه من أسس…

من عملات تلك الشيع
من عملات تلك الشيع
أما الخراميون الذين لم يتقبلوا موت أبو مسلم، فقد أسسوا نظاماً جديداً للإمامة من العجم، ينص على أن الإمامة انتقلت من أبي مسلم عبر (إبنته) فاطمة، والذين ليسوا أبناءها هم أئمة، أما الذي سيأتي منها فسيكون المهدي المستقبلي، اوالمهدي المنتظر، والذي سيكون إسمه “مهدي بن فيروز” وهو “الولد العالم” و “قدوة الدنيا”، و هذا ما أصبح عليه الإعتقاد السائد عند مسلمي حركة جبال زاغروس، أي أنهم راحوا يعتقدون أن فاطمة هي بنت أبو مسلم والأئمة الحقيقيين ليسوا من نسلها. و ليس كما هو متعارف عليه، أن فاطمة هي بنت محمد رسول الإسلام، أي أنه كان لهم تعريف آخر لفاطمة خصوصاً وأن محمد إبن الحنفية لم يكن من نسلها
[أنا سندباد المغترب… أبعد أبحر أقترب…لا أهاب الموت أبداً…حين يعلو الموج ليقترب]

حركة سندباد

عندما مات أبو مسلم سنة 755 م، كان صديق له يدعى “سندباد” واسمه الحقيقي (فادهسبان) قاد تمرداً في مدينة الرّي، و كان كبقية أتباع أبو مسلم قد أتى من خوراسان، (وبالأخص من نيسابورالتي أتى منها أحد رواة الأحاديث الفرس الشهيرين إلى جانب محمد البُخاري وإبن مسلم وهو “النيسابوري” الذي عرف اختصاراً ب”النسائي” فهو من نيسابور/ إيران موطن جميع رواة الأحاديث النبوية والأئمة الأربعة، واضعي السنن لأهل السنة والجماعة، فجميعهم تقريباً فرس من إيران و همذان و خوراسان!!) الذي كان على رأس التمرد. كانت صداقة أبو مسلم مع سندباد (فادهسبان)، قد ولدت عندما ساعد أبو مسلم سندباد في القضاء على قبائل البدو المحليين، فانضم سندباد و أخيه إلى جيش أبي مسلم. عند موت أبي مسلم رفض سندباد موته إذا كان يعتبره مرسل من عند الله، ومعه رسالة منه، لذلك راح يطالب بالثأر من قاتليه.
ادعى سندباد أن أبا مسلم هرب من قاتليه وتفادى الموت، وذلك عن طريق نطقه بإسم الله الأعظم (بقوة الكلمة على غرار يسوع المسيح و من قبله أدابا البابلي)، الذي جعل منه حمامة بيضاء (أيضا” الحمامة من التراث المسيحي وأصل قداستها الدينية من الأساطير السومرية – البابلية وهي رمز لملكة شمورام أو شمورامات / سميراميس في التراث الآشوري) راحت تعيش في قصر نحاسي مع المهدي والنبي مزدك، وراح يروج أن الذين سوف يظهرون في يوم ما (المهدي المنتظر) هو أبو مسلم أولاً، ثم مزدك كنائب له ومساعده. لكن هذا الإدعاء من سندباد كان مشوهاً وغير مقبول عند جماعات المسلميا الذين نصحوه أنه لا يوجد ضرورة لتأليه أبي مسلم بهذه الصورة، فاقتنع برأيهم وأنهى تمرده. لكن بعد عدة أجيال ظهرت حركات ترفع رايات سندباد و ما نتج عن حركة سندباد صار جزءاً من الفكر الإسلامي الشيعي فيما بعد …

أذربيجان/ حركة بابك الخرمي

في ميديا الصغرى شرق القوقاز عاش قوم ذوو بأس، كانوا خليط من عدة أقوام، أغلبهم من الأذاريين كان الكثيرون منهم ويتحدثون سبع لغات. تم احتلال أو “فتح” أراضيهم من قبل (الأمويين)، و كان آخر الحكام (الأمويين) مروان بن محمد أو مروان الثاني هو الحاكم المحلي لهم، حيث تم تسليم الأرض ل(الأمويين) مقابل تقديم الحماية لهم من اعتداءات دولة مملكة الخزر التركية اليهودية المجاورة. و قد عاشوا في استقرار دون أي تمردات طيلة فترة (الحكم الأموي) حتى ظهرت حركة بابك الخرمي. كانت أم بابك من قرية صغيرة تدعى (مهرو) في منطقة أردبيل، و كان يطلق عليها لقب (علوج) و هو لقب كان يطلق على السكان المحليين الغير مسلمين (يستخدمها أهل العراق إلى اليوم كما وردت في تهديدات وزير الإعلام السابق الصحاف للغزاة الأمريكان بأن جنودهم “العلوج” سوف ينتحرون على أسوار بغداد)، أما بابك فولد في قرية اسمها (بلال أباد) في آذربيجان، وكان إسم بابك الأول هو الحسن، و اسمه كاملاً هو (الحسن بابك بن بهرام). وقد تعرض هو و عائلته في صباه إلى متاعب عديدة من قبل (الأمويين) مما أثر في نفسه ضد هؤلاء المحتلين، فانضم إلى الخراميين، و بدأ تمرده و ثورته في القرن التاسع  الميلادي في عام 816 م أبان حكم المأمون (أو المأمور) و دامت ثورته عشرين 20 سنة. كانت أهدافه ومنطلقات حركته النظرية، “أن الإنسان إذا امتلك الأرض وقطع الظلم وأعاد أفكار مزدك الإباحية كان (مزدك الفارسي نبي الديانة المزدكية هو أول شيوعي في التاريخ)، جعل المتواضع هو القوي ورفع طبقة المنخفض أي الفقراء”! مما يجعلنا نشك أن الحركة الخرمية أو الخرامية كانت عبارة عن إعادة بعث وإحياء للأفكار المزدكية نفسها!!.
آمن القوم ببابك، وتزوج من إمرأةُ الحاكم جاويدان عقب وفاته. ومن غريب ما جرى في الإحتفال بهذا الزواج أنهم أتوا ببقرة، فذبحوها، وسلخوها، ثم بسطوا جلدها، وجعلوا فوقه طشتاً مملوءاً خمراً، ووضعوا خبزاً حوالي الطشت، فكان كل رجل يأتي يأخذ لقمة ويغمسها في الخمر ويأكلها، ( يشبه الى حد  ما طقس المناولة في المسيحية من حيث الشكل) و يقول: آمنت بك يا روح بابك، كما آمنت بروح جاويدان!
لكن بالرغم من هذه الأهداف النبيلة إلا أن بابك لم يلتزم بالأهداف، والمنطلقات النظرية الخرامية (المزدكية) التي وضعها لحركته (كما حدث مع أغلب الأحزاب الثورية بعد وصولها للسلطة في عصرنا هذا كالأحزاب الشيوعية في روسيا و أوربة الشرقية و الحركات الإشتراكية في بلدان العالم الثالث، وغيرها من البلدان) فقد اتهم بالقتل المريع وسبي النساء و سلب الأراضي، و التفرد بها له ولأتباعه فقط، بل حتى أن بابك جمع الكثير من النساء لنفسه وحده لإرضاء شهواته، وقد عاش عيشة الملوك، وتصيّد بالصقور، وكان يلتهي بجمع النساء الجميلات، عندما كان يستريح من الحروب. لكن تم إخماد ثورته في عصر المعتصم العباسي، حيث تمكن جيش المعتصم (خسرو الرابع) في حملة قادها الأفشين حيدر بن كاوس من دحرها سنة 222 هـ / 837 م و صُلبَ بابك الخرمي في سامراء في العراق.

خراسان/ حركات المحمرية و الخيداشية و الراوندية و الحارثية أو الحربية

يمر الطريق إلى خراسان من الري عبر جبال البروز إلى جورجيان (جيورجيا الحالية) و يعبر من نيسابور إلى مرو. في عام 778 م، بعد 25 سنة من تمرد سندباد، ظهر ذوو الرايات الحمر الذين عُرفوا بإسم (المحمرية) كطائفة متمردة بألوان ورايات حمراء، وطائفة من الخراميين، والذين تدل الدلائل على أنهم ساعدوا الهاشميين (إسمهم في كتب التراث آتٍ من إسم حركة أبو هاشم إبن محمد إبن الحنفية) و كان يقودهم إبن أبو مسلم المسمى “أبو الغارة” و الإسم الآخر له كان “أبو المراة” [تذكر مصادر أخرى أنه كان حفيد أبو مسلم و ليس إبنه]. لا يعلم أحد بالضبط لماذا ثاروا بعد مرور مدة طويلة (25 سنة) من بعد موت أبو مسلم، لكن يعتقد أنهم مشوا على خطى إعتقاد سندباد بأن أبو مسلم كان لا يزال حياً و لم يمت، فكانوا يريدون أن يعيدوه إلى الحكم!!
تمرد المحمرية في جورجيان، عندما تحرك شخص “زنديق” إسمه (عامر بن محمد العامركي)، و”الزنادقة” هي تهمة جاهزة كانت تطلق على الروحانيين في إيران الذين كانوا عادةً مانويين (أتباع النبي ماني)، لكنها أطلقت أيضاً على الخرميين، وبما أن المانويين كانوا يلبسون الأحمر لذلك تم اعتبار أتباع المحمرية زنادقة!! انتهى التمرد في عام 797 م لكن أفكارهم انتشرت، و من أفكارهم التي نشروها أن الأغنياء كان عليهم مقاسمة الفقراء في أراضيهم!

مرو والخيداشية

كانت مدينة (مرو/ المدينة المدورة) نقطة الإهتزازات التمردية في عموم الأراضي الإيرانية، فمنها كانت تخرج الثورات والأفكار والمخططات، وكما هو متوقع كان ولاؤهم لأبي مسلم الذي خرج من ضمنهم من منطقة سوجيدا، والذي كان مركز القوة العباسية. كثير من الجماعات الخرمية تكونت في خراسان وإحدى هذه الجماعات هي الخيداشية.
الخيداشية
كان (خيداش) داعية ديني، وأول من سمع عنه من الخراميين. أتى إلى خراسان سنة 727 م و بدأ بدعوته الدينية هناك. كان يعمل في الفخار و يعلم في مدينة الحيرة (الكوفة). و قد كان سابقاً مسيحي الأصل. كداعية ديني كان مستاءاً جداً من عادة أن الأزواج كانوا يتبادلون النساء، ومنها بدأ بنشر الأفكار الخراميية مما أثار حفيظة حاكم خراسان فقام بإعدامه سنة 736 مم. لكن إعدامه سبّب ردود أفعال متمردة من الشيعة الهاشميين كانت مشابهة لردود فعلهم لمقتل أبو مسلم، و اعتبروا أن مقتله رفعه إلى مرتبة الإمامة فأنكروا موته وراحوا يقولون أنه رفع إلى السماء، مثلما رفع الله إليه يسوع المسيح وفق الرؤية الاسلامية. والنبي إيليا اليهودي من قبله!! .. كان الصراع على أفكار خيداش يدور حول مسألة تبادل الزوجات، وهل أن الزوجة يحق لها أكثر من شريك واحد؟ إذ كان الخيداشيون يطرحون الرأي القائل أن صعوبة تحديد نسل الأطفال هو أهم سبب للحد من السماح بمتابعة هذه الأمور، وراحوا يطالبون بأنه يجب أن يكون هناك عقد زواج يمنع الزوجة من تبادلها بين الرجال، ويفضل أن يكون لكل رجل زوجة واحدة فقط،.
ثم ادعى الخيداشيون فيما بعد أن الإمامة انتقلت من خيداش إلى الإمام العباسي محمد بن علي…

الرّاوندية

الخيداشيون والمسلمية في القرن الثامن الميلادي في خراسان، تحولوا إلى الإسلام، لكنهم عقائدياً خرجوا منه، ولم يتبعوه بسبب الأخطاء الكثيرة الموجودة فيه برأيهم. والشيء نفسه حدث مع الرواندية، فقد بقوا مسلمين في الإسم فقط وساعدوا العباسيين وأعطوا ولاءهم لجيش أبو مسلم وعُرفوا بإسم “الأشهاب” في هذه الدولة. ظهر إسم عبد الله الراوندي كداعية هاشمي (نسبة” لأبي هاشم الذي هو ربما من طوعهم في نيسابور خصوصاً و أن رواند هي قرية صغيرة كانت تقع بالقرب من نيسابور، لكن على الأرجح أتى من بلخ) .. كان الروانديون يعتقدون بإمامة إبراهيم بن محمد، وهو الإمام العباسي أو بالأحرى آخر إمام عباسي أتت إمامته من علي. لكن الرواندي انفصل عن الهاشميين بسبب قوله أن الإمامة يجب أن تذهب إلى أبلغ الأئمة، فتم قتله من قبل الهاشميين! لكن استمر تمرد الروانديين خارج التحالف الهاشمي، ورفعوا راية أن روح يسوع المسيح دخلت روح علي ومنه راحت تنتقل إلى الأئمة، وأن الإمامة انتقلت من إبراهيم الإمام إلى العباسيين و أن هناك إمام سابع سيأتي بعد أبي جعفر المنصور و الذي ستكون في عهده نهاية الدنيا. هناك تصحيح من بعض المؤرخين الذين قالوا أن الرواندية هم سباعية انفصلوا عن الهاشميين عندما قتل المنصور أبو مسلم، أي أنهم كانوا فرقة إسماعيلية سباعية اعتقدوا أن الإمامة تنتقل عبر الوصاية و أن المهدي المنتظر سوف يظهر في الإمام السابع، الأمر الذي يجعلهم يصنفون على كونهم جزءا” من الخراميين…
انقسم الرّوانديون بعد مقتل أبو مسلم، فرفعوا في البصرة رايات الثأر لموت أبي مسلم، أما بقية الرواندية في باقي العراق فقد طلبوا التحلي بالصبر لأنهم اعتبروا الحدث إمتحان إلهي كان عليهم الصبر عليه .. انتهز المنصور فكرة الروانديين أن الإمام السابع المهدي سوف يأتي من صلبه فنشر قصة أهل الملابس السوداء و قصة دابق و أن إبنه هو المهدي و قد أطلق هذا اللقب عليه عندما بعثه كحاكم على خوراسان مما جعله يكون وليا” للعهد، و أن نهاية الدنيا ربما ستكون في عهد إبنه “المهدي المنتظر”!!! و كان إسم إبن المنصور هو عيسى بن موسى لكن ظهر لقب “المهدي” فجأة في سنة 145 هجرية في عملة مصكوكة تحمل إسم “المهدي” فقد كانت فكرة المنصور هي استغلال و نشر فكرة الراونديين حول الإمام السابع: المهدي المنتظر! مما جعل بعض الروانديين يصدقون بهذه النبوءة فانضموا تحت راية هذا “المهدي” و اعتقدو أن نهاية الدنيا قد اقتربت و أنهم سوف يصعدون مع المهدي إلى السماء ليكونوا مع الملائكة (مثل تحشيش أنصار و أتباع داعش و النصرة و باقي الجماعات التكفيرية المسلحة اليوم)!!
أتباع عبد الله بن معاوية/ الحربية (من لقب عبد الله بن حرب) أو الحارثية (من لقبه الحارث الكندي)
تكون و تجمع أتباع عبد الله بن معاوية في الجبال و ليس في خوراسان لكنهم ظهروا في خوراسان ليتبعوا قائد القوات أبو مسلم الخراساني. كان عبد الله بن معاوية ثائرا” علويا” في غرب إيران سنة 744 م، و مثل بقية حركات الهاشميين كان ينضوي تحت خيمة (إبراهيم الإمام) من الشيعة الذين كانوا يعتقدون بأن الهاشميين (من لقب أبو هاشم إبن محمد إبن الحنفية كما رأينا آنفا”) هم أحق بالحكم من (الأمويين المروانيين)، و كانوا يعملون تحت شعار أو على مبدأ “الرضا من المحمد” و الآية القرآنية “المودة في القربى” كما تظهر هذا العبارة في عملة عبد الله بن معاوية “المودة في القربى”. تجمع أغلب الهاشميين تحت رايته و كان من ضمنهم أبو جعفر المنصور، بل انضم تحت رايته حتى من (الأمويين) إذ لم يكن متشددا” في عقائده. ظهر في الكوفة و بدأ تمرده بمساعدة الشيعة في الكوفة و المدائن لكن تم إخماد حركته بسرعة من قبل (الأمويين). لكن حركته سرعان ما عادت فانتشرت مرة أخرى في كل الكوفة و البصرة و همدان و أصفهان و فارس و في جميع المناطق التي كان يتواجد فيها الخرمييون. و قد وجد عبد الله بن معاوية إن قدر للتمرد أن ينجح فهو يحتاج إلى جيش كبير يستطيع مقاومة (الأمويين) خصوصا” عقب هجوم الجيش الأموي على مدينته الجديدة التي كان قد أنشأها جنوب غربي إيران .. فاتجهه شرقا” إلى خراسان آملا بأن يحصل على مساعدة من أبو مسلم. لكن بمجرد وصوله كمن له أبو مسلم فأسره وسجنه ثم عاجله بقتله في (هرات) و كانت دوافعه هو الحصول على جيشه و تجهيزاته!
كان عبد الله إبن معاوية يعتقد بفكرة الحلول وتناسخ الأرواح. أي أن روح الله المقدسة، وصلت إلى آدم، ثم تنقلت، ووصلت إلى المسيح، ثم إلى علي ثم إلى أبنائه العلويين، ثم وصلت إلى الأئمة ثم إلى روح عبد الله بن معاوية. ظهر من أتباع ابن معاوية المدعو عبد الله بن حرب و لقبه الآخر المعروف به هو (الحارث الكندي) الذي ادّعى أن عبد الله بن معاوية لم يمت و أنه يعيش في إحدى جبال أصفهان و سوف يرجع بهيئة المهدي المنتظر و أنه هو كان الوصي له و قد عرفت الحركة بإسم “الحارثية أو الجنيهية” .. و راح أتباعه و الآخرين من أتباع عبد الله بن معاوية يدعون أن الإمامة انتقلت من أبو هاشم إبن محمد إبن الحنفية إلى المختار أو إلى كيسان!

حركات منطقة سوجيدا و توركمنتسان

تمتد شعوب هذه المناطق عبر نهر أوكزس وهي مناطق بخارى وسمرقند. بعد مقتل حاكمهم المحلي من قبل (الأمويين) بدأت موجات التمرد و الكفاح المحلي حوالي سنة 739 م، وكانت معتقداتهم خليط من الزرادشتية و البوذية. و قد أتت أصول ما يعرف ب”سوجيدا” من أواسط آسيا (نفس مناطق الترك/ المغول/ التتر) وهم معروفون بالشدة في حروبهم واجتياحاتهم السابقة، وسيطرتهم على طريق الحرير، مما جعل الهاشميين يستفيدون من حنقهم على (الأمويين) ورغبتهم الجامحة بالثأر منهم فراحوا يستعملونهم ويطوعونهم ويضموهم إلى الجيش الهاشمي لما يملكون من شدة بأس في القتال وتخطيط حربي ذكي. و كان إسم أحد أهم الذين جندوا (إسحاق) الذي انضم أتباعه للجيش الهاشمي و أصبحوا من أهم القوى الضاربة فيه.

حركة المُقنَّع

كان أحد أشهر أتباع أبو مسلم والذي كان يعطي ولائه للعباسيين رجل يطلق عليه لقب “المُقنَّع”، واسمه الحقيقي (هشام بن الحكيم الجاحظ). كان والده قائداً للجيش الخوراساني أي جيش أبو مسلم في منطقة المنصور و كانت أصوله تعود إلى بلخ عاصمة طبرستان. سار المُقنَّع على خطى والده و صار هو الآخر قائداً عسكرياً فذاً و المستشار العسكري لأبو جابر الذي كان يعتبر عمود الجيش العباسي. بعدما استقرت الأوضاع وآلَ الحكم للهاشميين، كان قائد المُقنَّع المدعو أبو جابر يميل إلى العلويين، ومظلوميتهم، بسبب قرار أبو جعفر المنصور بتصفية العلويين، بعدما كانوا تحت خيمة واحدة التي هي خيمة الهاشميين. نفّذ أبو جابر قرار المنصور في البداية بقتل العلويين، لكنه رفض قرار المنصور فيما بعد و أعلن تمرده خصوصاً، عندما استهدف المنصور شخص اسمه (حسميد بن محمد بن علي العلوي) الذي كان يرى فيه أنه هو “المهدي”.
تبنّى أبو جابر الرداء الأبيض ورفع الرايات البيضاء في تمرده ضد المنصور، ثم أصبحت هذه الرايات البيضاء رمز حركة المُقنَّع التي كان أساس فكرتها، أنها كانت إمتداداً للثورة الخوراسانية وجيش أبو مسلم، خصوصاً بعدما حاول أبو جابر بناء جسور بين المنصور والعلويين، الأمر الذي أغضب المنصور و بسببه قام بتدبير قتل أبو جابر في سنة 757 م.
والغريب أنه لم يثور أي من العلويين لموته، وحتى المدعو حسميد بن محمد بن علي تم إطلاق سراحه، و تزوج في (مرو) وعاش كحاكم محلي تحت راية الحكم العباسي، لكن المُقنَّع استمر في تمرده فجمع بعض الأنصار من وراء نهر سمرقند و رجع إلى خوراسان ليبدأ تمرده بعد عشر 10 سنين من مقتل قائده السابق أبو جابر. و قد استمرت حركته و تمرده في سمرقند خصوصاً في زمن المهدي إبن المنصور حتى مقتله عام 779 م.
بعد قمع و فشل ثورة المُقنَّع توضّح للجميع أن الغلبة هي للعباسيين بالرغم من أنهم كانوا تحت راية الخوراسانين فأصبح اللون الأسود هو رمز الحكم العباسي، وبقيت الرايات البيضاء لحركة وأنصار المُقنَّع، و الرايات الحمراء للمحمرية، أما الرايات الخضراء فلجماعات أتت لاحقاً. وعدا عن اللون الأسود فإن جميع هذه الرايات أصبحت رموزاً لرفض الحكم العباسي.
كانت رسالة المُقنَّع أن الله موجود في كل مكان، وهو يبعث رسله عبر الزمان. هذه الروح المقدسة نزلت على آدم ثم على الأنبياء من بعده ثم على المسيح ثم انتقلت إلى علي و منه لأبو مسلم ثم حلّت في جسد المُقنَّع، فراح يعتقد أنه هو “المهدي” وأن أبو مسلم كان رسولاً من عند الله و لم يكن شخصاً عادياً، ثم قام بتحويل راياته من اللون الأبيض إلى اللون الأخضر، لأن روحه “زارت الجنة” فغطى وجهه، ولم يظهر منه سوى عين واحدة و أشاع أنه ذاهب إلى الجنة مع أصحابه لذلك لبسوا اللون الأخضر!!!
ويبدو أن قيامه بهذا الفعل أوحى بالفكرة إلى المأمون (المأمور) فتبنى هذا الأخير اللون الأخضر، وأصبح رمزاً لحكمه!!.
كان لقناع المُقنَّع رمزية دينية بحيث ادّعى أنها تعود للنبي موسى، وكيف هرب موسى متخفياً هو و أصحابه من مصريم إلى سيناء، وراح يقول أن اليهودية و المسيحية والمزدكية و المانوية و البوذية هي أجزاء من رسائل الله وأن الطريق إلى الجنة هو بإنهاء الخلافة العباسية. وقال أن قَتَلَةْ أبو مسلم ليسوا مسلمين، وأنهم حرّفوا دين الإسلام!!!.
حركات الجنوب الشرقي لإيران/ حركة به فريد، حركة الإستادة، حركة يوسف البرام
هاجر (به فريد) من مدينة (سوزان) إلى مدينة (مرو)، و ظهر له نبي ادّعى أنه كان في الجنة ورجع منها و أنه يعرف الطريق لدخولها!! وقد ظهر بهذا الإدعاء، بعد أن تاجر في الصين لمدة سبع سنوات، رجع منها بردائه الأخضر المصنوع من الحرير الكامل. و بدأ يكسب و يجمع حوله الفقراء والمحتاجين من القوم بسبب تبنيه للأفكار المزدكية الشيوعية أو الإشتراكية التي كانت تنص على أن يشارك الأغنياء الفقراء في ثرواتهم و أنه يجب على البشر ألا يمتلكوا أكثر من أربعة مئة 400 درهم، وأن كل ما يكسبوه يجب أن يقطع سُبعهُ (7/1) لتعبيد الطرقات، و بناء مساكن للفقراء.
وحرّم الزواج من الأقارب المقربين مثل الخالة والعمة، وحرم ذبح الحيوانات الضعيفة والمريضة. لكن بعد أن انتشر أتباعه في خوراسان وقويت شوكته، بدأ بمحاربة الأفكار الزرادشتية وادّعى أنها تعاليم ناقصة، وأنه “هو الأعلم بكيفية الوصول إلى الجنة” مما أثار حفيظة و سخط (الموابد) أي رجال الدين الزرادشتيين من ناحية و من ناحية أخرى رفض الحكم (الأموي). و قد انتهز هذا السخط أبو مسلم قائد الجيش المتمرد هو الآخرعلى حكم الأمويين، لكنه وجدها فرصة لكسب ود وولاء الزرداشتيين مما جعله يأتي إلى خوراسان، ويقضي على (به فريد) الذي سقط مضرجاً بدمائه فوق ردائه  الحريري الأخضر بالكامل ..
بعد قتله له انتبه أبو مسلم للتأثير الكبير الذي كان يحدثه (به فريد) بردائه، مما جعل أبو مسلم يقوم بتقليد أفعاله، لكنه بدّل لبس اللون الأخضر لبسَ رداءً بلون السواد الكامل!!.
و يذكر أن (به فريد) قرر أن تكون الصلاة باتجاه الشمس فقط، وطريقتها هو ثني إحدى القدمين!
كانت “حركة الإستادة” عبارة عن استمرار وإعادة لحركة (به فريد) وقامت في سنة 757م، وحاول أتباعها إعادة الأفكار الزرادشتية و خلطها مع معتقدات الإسلام.
أما حركة يوسف البهرام فخلطت بين عقائد اليهودية و المسيحية مع الإسلام (تماماً كما وصل إلينا بشكله الحالي اليوم إضافةً إلى خلطه مع بعض معتقدات و طقوس الصابئة المندائية و الزردشتية و البوذية و الهندوسية).

الكيسانية

هي حركة شيعية علوية (أتباع علي وأولاده) نشأت لرفض (الحكم الأموي)، وبدأت بعد انتهاء حركة المختار الثقفي. كانت هذه الحركة أول من نادى بالإمامة لمحمد بن الحنفية إبن علي. وكان أتباعها يدعون أنها كانت حركة مختارية، ثم تحولت إلى إسم الكيسانية. بالرغم من عدم إدعاء محمد إبن الحنفية بالإمامة إلا أن أول من أطلق عليه هذا اللقب كان أبو العباس السفاح (السفاح لقب للحجاج بن يوسف الثقفي موثق على عملته و لم يعثر على أي عملة تدل على وجود شخص يدعى أبو العباس)! أتى إسم الكيسانية من كنية يدعون أنها أطلقت للمختار الثقفي من قبل علي بلقب “كيسان”، بعد موت أحد الشجعان في معركة موقعة صفين ضد الأمويين، كان إسمه (كيسان)، أو ربما كان لقب أطلق عليه من قبل محمد إبن الحنفية للمختار، وربما كان هو القائد العسكري و الحارس الشخصي للمختار الثقفي المسمى جابو عمرة كيسان.
هذا وقد اعتقد الكيسانون أن علي كان لديه ثلاثة أبناء هم الحسن بن علي و الحسين بن علي و محمد إبن الحنفية بن علي، وهم الأئمة المختارون، وأنه كانت لديهم قدرات خارقة!!!
محمد إبن الحنفية هو المهدي
كان الكيسانيون يعتقدون بمعتقد البادا أو البدأ ‘bada و هو أن الله قرر مصير البشر، وهو يرسل رسله لهم، و كان عندهم ضرورة الإعتراف بالمزدكية كجزء من الزرادشتية، وأنها جزء من إعتقادات الكيسانية، واعتقد بعضهم بغيبة محمد إبن الحنفية في الجبل لكنه كان محفوظاً بالأسود والنمور وكان طعامه الماعز الجبلي، ثم سيعود أي “الرجعة أو عودة المهدي” مع أتباعه قبل يوم القيامة حاملاً لقب المهدي (اختلف البعض مع هذا الطرح، و قالوا أن هذا الإدعاء كان لإخفاء الخطأ الذي وقع فيه، عندما ذهب إلى دمشق، ليبايع عبد الملك بن مروان، خليفة الله المزيف!).
بدأ الكيسانيون يخلطون الإسلام مع بعض المعتقدات والأديان والأفكار والمعتقدات الغنوصية Gnostic القديمة في العراق في القرن الثامن الميلادي. سار الكيسانيون على نهج رفض الحكم الأموي و كان هدفهم إستعادة الحكم للعلويين لنسل علي، فابتعد الكيسانيون عن المعتقدات الدينية المعتدلة الخانعة التي طغت مدينة الحيرة (الكوفة) في أيام حكم الأمويين، وانضم إليها الكثير من المناصرين من جنوب العراق والمدائن وبلاد فارس.
بعد وفاة محمد إبن الحنفية تقبل معظم أتباعه موته، واعترفوا بإمامة عبد الله إبن محمد إبن الحنفية، الملقب ب”أبو هاشم” وهو الإبن الأكبر لمحمد إبن الحنفية (المذكور في عدة فقرات أعلاه)، و الذي توفي عام 716م. و كما ذكرنا أعلاه فقد أطلقت على طائفة أو أتباع أبو هاشم إسم “الهاشميين” أو الحركة الهاشمية فكان لقب حركتهم نسبة” لإسم أبو هاشم و كانت الغالبية العظمى للكيسانين من الهاشميين الذين كانوا أولى الحركات الشيعية الثورية، بعد أن ذبلت في فارس خصوصاً في منطقة خوراسان الكبرى.
عند سقوط الحكم الأموي انضم أغلبية الهاشميين إلى ثورة العباسيين، وذاب الكيسانيون، وكونوا فرقة شيعية جانبية، مع العلم أنهم كانوا من أوائل الشيعة العلوية. لكن مجموعة منهم في خوراسان تجمعوا مع الخراميين الذين انضموا إلى الإمام جعفر الصادق فيما بعد، و الذي رفض الثورات وأخمد التمرد واتخذ منحى السلمية مع السلطة. وقسم منهم انضموا إلى محمد النفس الزكية. ثم صعد هذان الشخصان جعفر الصادق و محمد النفس الزكية إلى مرتبة الإمامة و قيادة العلويين فأصبحا قيادتا العلويين الجدد.

طوائف الكيسانية

انقسمت الحركة الكيسانية إلى عدة طوائف وأقسام بعد موت قائدها و مؤسسها كيسان. ومن بعد تجزأ قيادات حركتها أصبحت مختلفة، وكل فريق راح يدعي أنه يمثل الطائفة الكيسانية الصحيحة الحقيقية (الدين أو الإيمان القويم على غرار الطوائف و المذاهب والإنقسامات في الكنيسة المسيحية، والفرق اليهودية التي سبقتها).

تاريخ الإنقسامات

 عندما توفي محمد إبن الحنفية سنة 700 ميلادية انقسم أتباعه إلى عدة طوائف و فرق هي
1. القاريبية أو القرابية سميت على إسم أبو قارب. كان أتباع هذه الفرقة لا يعترفون بموت محمد إبن الحنفية بل اعتقدوا أنه غيب في جبل الرودة، وأنه سوف يعود ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
2. طائفة حيان السرّاج اعترف أتباعها بموت محمد إبن الحنفية لكنهم كانوا يؤمنون بأنه سوف يعود للحياة في المستقبل ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً.
3. طائفة حمزة إبن عمرة البربري ذهب هؤلاء شوطاً أبعد فآمنوا بنبوة محمد إبن الحنفية، وأنه هو محمد رسول الله، وصاحب الرسالة الإلهية، فتم بذلك رفعه وتقديسه إلى أعلى المناصب الدينية.
4. الهاشمية تمثل الطائفة الهاشمية معظم أتباع الكيسانين. بعد موت محمد إبن الحنفية اعترفوا بموته وأن إبنه الأكبر أبوهاشم هوالإمام، وهو إمام معظم الشيعة بالرغم من أنه أصغر من إبن عمه الإمام زين العابدين، و كان معظم أتباع الهاشميين من خوراسان.

* طوائف داخل الطائفة الهاشمية

بعد موت أبو هاشم انقسم الهاشميون إلى أربع أو خمس طوائف بسبب إنقسام قادتهم وأتباعهم وهي
1. الطائفة الأولى هي الحربية من طائفة بني حرب (المذكورة سابقاً)، و م أتباع عبد الله إبن معاوية إبن عبد الله إبن جعفر أخو علي (عبد الله إبن معاوية كانوا أبناء عمومة أبو هاشم) الذي أصبح قائداً، وله أتباع بسبب ثورته و تمرده وثأره لزيد بن علي ولإبن أخته يحيى إبن زيد إبن علي.
انتشر تمرده و ثورته في العراق وأصفهان وبلاد فارس والأهواز وكرمان. وقد جمع متطوعيه من الخرميين من جبال زاغروس كما رأينا، وأسس مدينة إصطخر في جنوب غربي إيران (توجد فيها كعبة زرادشت الشهيرة). وحكم هذه البلدان من عام 744 لعام 748م حتى وقت هروبه إلى خراسان لطلب النجدة، والمؤازرة من أبي مسلم بعد تقدم جيش الأمويين نحو مدينة إصطخر، ثم تم سجنه واغتياله من قبل أيي مسلم الخراساني كما رأينا.
كانت طائفة عبد الله بن معاوية وحركته، مليئة بالمتشددين الثوريين المغالين باعتقادتهم، الذين مزجوا العادات الدينية القديمة، وآمنوا بتناسخ الأرواح، أي أن الأرواح موجودة على الدوام، وهي فقط تلبس أجساد جديدة بعد موت الأجساد التي كانت فيها، لذلك بعد موت عبد الله إبن معاوية اعتقد أتباعه بأنه ما زال حياً يعيش في إحدى جبال أصفهان.
2. الطائفة الثانية هي العباسية أتباع هذه الفرقة آمنوا بأن عباس محمد إبن علي إبن عبد الله إبن عباس إبن عبد المطلب (عباس أخو علي)، هو كان الخليفة الحقيقي لأبو هاشم، حيث ادعوا أن أبو هاشم أوصى بأن يكون خليفته محمد إبن علي إبن عبد الله، وهذا الخليفة كان لديه أخ إسمه إبراهيم، كان قد قتل في معركة ضد الأمويين، و كان لديه ولدين: أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية وأبو جعفر المنصور (لم نعثر على عملات أو على أي آثار تعود لهما!!) فيتضح لنا أن أصل العباسيين من الكيسانين!
3. الفرقة الثالثة هي المسلميّا Muslimiyya وهي، كما ذكرنا في مستهل هذا البحث، كانت طائفة كيسانية لُقبت على لقب أبو مسلم، و كان أتباعها يعتقدون أن الخلافة كان أبو مسلم أحق بها من أبي جعفر المنصور، أي أن الخلافة كان يجب أن تنتقل من أبي العباس السفاح إلى أبي مسلم الخراساني الذي قاد الإنتصارات على الجيش الأموي، وكان له الفضل الأكبر بالقضاء على الحكم الأموي.
بعد مقتل أبي مسلم أيضاً راح أتباع هذه الفرقة يعتقدون أن المنصور لم يقتل أبا مسلم بل شبه له… وأن أبا مسلم ما زال حياً!!!
4. الفرقة الرابعة هي الرّضامية/ الرّضا ميّة أتباعها لم يرضوا برفض خلافة أبي مسلم لكنهم مع ذلك أقروا بإمامة العباسيين إلى يوم القيامة، وحتى ظهور المهدي المنتظر، الذي اعتقدوا أنه سوف يكون من أحد أجيالهم القادمة!!.

الخاتمة

كان هذا جزء يسير و تلخيص موجز لأهم أحداث، وحركات تلك الفترة بحسب ما ورد في التواريخ بكتب التراث الإسلامي، و الكثير منها بحاجة لمراجعة وتدقيق وتصحيح.
في الختام الباحث عارف معين والمحرر د. سام مايكلز نود أن نشعل شمعة شكر وعرفان للمرحومة الباحثة الأمريكية باتريشيا كرون لاقتباسنا جزء كبير من المقال من أبحاثها الأخيرة قبل أن يوافيها الأجل بمرض عضال

المصادر

3. بابك الموسوعة العربية الميسرة، موسوعة شبكة المعرفة الريفية، 1965
4. مجلة الرسالة / العدد 676 / الشيوعية الخرمية:
5. فتنة بابك الخرمي رائد الإباحية، موقع مفكرة الإسلام

 

 

 

 

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *