نعم كبرت…. وأفتخر

‏هكذا أسميته …. هم يقولون عمر الهرم …سن اليأس … وقت المشيب … سن مافوق المعاش … التقاعد .

‏لكنه العمر الجميل حقاً … بوصوله ‏تحققت الأمنيات … وقلت المسؤليات .

هذا السن فيه روحانيات رائعه …. تغذي الروح والنفس والجسد وتعيش على مهلك بانتظار صافرة قطار الرحيل .

‏أنت فيه أشبه بطائرٍ حرٍ يرفرف بجناحيه في فضاءٍ رحب ….

مغرداً بسعادة‏ وأنت تنظر من فوق … لإنجازات قطعت العمر في بنائها

بين الألم والفرح … وبين النجاح والفشل .

‏عمر الأمل بعد كدّ لايوصف لتحقيقه…

‏ عمر مضى لايقاس بلون بياض الشعر ومشيبه … ولاتحكمه ملامح الوجه التي تغيرت …

‏هناك قسمات على الوجوه ترسم خارطة طريق رائعة لزمن قديم حفرت الازاميل أخاديد عميقة في هذه الوجوه، فأظهرت هذه الخارطة وبانت الوجوه موشاة بتعب السنين المنصرمة وهمومها…

هل هو جميل كذلك ام صرنا نركن إلى جماله المفترض بعد

‏حقبة طويلة اعتبرنا جمالها مسلمة الا وهي جمال العمر الماضي !!!

يُقال لك …. من البعض مستغربا لم كبرت؟ فعلاً كبرتْ، ومن البعض مسلما بحقيقة تُعاشْ ، وكانه يربت على كتفك لتقتنع بدون ان تكون يائساً!!! بأنك صرت كبيرا…

قل لهم … فخور أنا ، بحقبة الزمن التي قضيتها، وبما حققت من اعمال حسنة ، رضيتْ عنها الناس، وانا كنت راض ٍ عنها وافتخر بها…وان كنت قد صرت كالأطلال سيما والاوجاع تنكش عليها الاوجاع التالية… لابأس لابأس… لأن لا احد يأخذ دوره ودور غيره…فهكذا هي الحياة عمل مسرحي وينتهي وتسدل الستارة…

‏سعيدٌ أنا بالمرحلة الجديدة …. مرحلة التأمل …. مرحلة الارتياح …. مرحلة الذات وعلى مهل لمابقي… .

‏نعم هي مرحلة الذات …. مرحلة الالتفات لنفسك …. بعد أن أوصلت الأبناء لمواقعهم …. وصار لديك احفاد كالعصافير الجميلة وبقيت أنت وحدك وزوجك باخلاصها وانت امسيت كالنورس المسن بانتظار الرحيل…

‏لاتحزن وتقف على الأطلال …. إنها فرصتك للاستجمام …

‏دعك من أبي العتاهية ومقولته …. “ألا ليت الشباب يعود يوماً …”

‏وأخبر ذلك الشاعر بأن المشيب حضر …. وحضرت معه نظرة جديدة للحياة مليئة بالجمال ولن يعود الشباب قطعاً…قطعاً..!

‏في ثقافتنا العقيمة …. يسجنونك داخل مقولة لقد كبرتْ!!!

‏إن لبست الجميل من الثياب …. أو سافرت وتمتعت…

‏ أو رأوا شباب روحك …. ومزاحك وابتسامتك… ولايعرفون انك تتألم جسديا ونفسياً لأنك صرت اكثر حساسية ‏قالوا لك: …. ألم تكبر بعد ؟

قل لهم …. نعم كبرت رغم معاناة الطريق …. كبرت وكبر معي الأمل والنضوج والرجاء…

‏كبر معي الفرح …. وكبرت نظرتي للحياة …. وعلمت أن الحياة ابتسامة …

‏تعلمت أن الحياة تُختصر في ابتسامة رضا …. وابتسامة صبر …. وابتسامة فرح…

‏كبرت ْ معي ابتسامتي ولم تَشِخْ كما اعتقدتم …. ‏فليس للبسمة شعرات تشيب … بل هي تجعل اخاديد الزمن تتجدد…

‏الحياة لاتختصر في مرحلة الشباب …. قد تكون تلك مرحلة قوة الجسد …. لكن ثق أن قوة النفس وقوة الخبرة هي في المرحلة التي تليها …

‏الحديث عن مرحلة العمر هذه لاينتهي …. لذا أقول تذوق تلك المرحلة بسعادة ….

استمتع بها ….بالرغم من صعوبة أيامنا التي نعيش…

كن حكيماً …. متزناً …. مبتسماً

‏واعتنِ بنفسك لأنك تفرح اولادك واحفادك…أحبابك…

الاولى في سدة المسؤولية القيادية، قائدا في معسكر كشفي ملتحفا بالعلم الوطني الحبيب…بعد تحية العلم

الثانية متقاعداً على كرسي المتفرجين بحفلة ترفيع كشفية لأولادنا….نعم كبرت وافتخر نعم… وصرت متقاعدا اسعد بما يتم تحقيقه كنت قد اسست له…في عمر العطاء