نقل المنديل المقدس اي صورة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح الغير مصنوعة بيد

نقل المنديل المقدس اي صورة ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح الغير مصنوعة بيد

نقل “المنديل المقدس” أي صورة ربنا والهنا ومخلّصنا يسوع المسيح “الغير مصنوعة بيد

” (باليونانية: Αχειροποίητος ) من مدينة الرها الى القسطنطينية. 16 آب

يخبرنا التقليد الكنسي أن أبجر الخامس ملك أديسّا أو الرها (وهي أورفا الواقعة بين دجلة والفرات في جنوب شرق تركيا الحالية)، والمعاصر لحياة الرب يسوع على الأرض، قد أصيب بكامل جسده بمرض الجُذام (البرَص) والتهاب المفاصل، أرسل إلى الرب يطلب إليه الحضور إلى أديسا، حيث قد ذاع صيت المعجزات التي كان يجريها المسيح في كل أنحاء سوريا ( متى 4: 14 ) ووصلت إلى مسامع أبجر، الذي وحتى دون أن يراه آمن بأنه ابن الله. فكتب له رسالة يلتمس منه فيها أن يأتي ليشفيه، وأرسل الرسالة مع أحد أشهر رسّاميه المدعوّ حنانيا إلى فلسطين، وكلّفه أن يرسم صورة تشبه المعلّم الإلهي.
لا يُشير يوسابيوس القيصري إلى “المنديل المقدس” مباشرة، ولكن إلى الرسائل التي تم تبادلها بين يسوع والملك أبجر والتي وصلت من خلال التقليد، وفيما يلي الترجمة لنص الرسائل التي انتقلت عبر الأجيال وهي بالسريانية ( الترجمة للأب أفرايم لاش):
“من أبجر ملك الرّها إلى يسوع المخلّص والطبيب العظيم الذي ظهر في أورشليم، تحية! لقد سمعت عنك وعن علاجاتك التي صنعت بدون أدوية، فعلى سبيل المثال جعلت الأعمى يبصر ثانية والمشلول يمشي وطهّرت البُرص وطردت الأرواح الشريرة وشفيت المرضى المعذّبين منذ فترات طويلة. وعند سماعي لذلك تكوّنت لدي واحدة من فكرتين: إما أنك ابن الله أو الله نفسه. لذلك أتوسل إليك أن تأتي إليّ وتخلّصني من العذاب الذي أعانيه وتبقى عندي، لأني سمعت أن اليهود يتآمرون عليك ويريدون أن يُلحقوا الأذى بك. مدينتي صغيرة جداً لكنها كافية لكي نعيش كلينا فيها بسلام” وقد ذكر المؤرخ يوسابيوس القيصري خبر هذه المراسلة في كتابه تاريخ الكنيسة ( الجزء الأول، الفصل الثالث عشر

الملك الابجر
الملك الابجر

وصل حنانيا إلى القدس ليرى المعلّم محاطاً بجمع غفير من الناس يصغي لحكمته ويعيق الوصول إليه، فوقف على صخرة عالية وشرع يحاول أن يرسم صورة وجه السيد من بعيد ولكن دون جدوى… لكن يسوع رآه ودعاه باسمه وحمّله رسالة للملك مشيداً فيها بإيمانه، ووعده أن يرسل تلميذه إليه ليشفيه ويهديه إلى طريق الخلاص. وكتب الرب يسوع إليه:

“مبارك أنت الذي آمنت بي، رغم أنك لم تراني. لأنه مكتوب أن الذين رأوني لم يؤمنوا بي والذين لم يروني آمنوا ونالوا الحياة. وبخصوص ما كتبته أن آتي إليك فإنه من الأفضل أن أتمّم كل ما قد أرسلت من أجله وبعد ذلك أعود إلى أبي الذي ارسلني. وعندما أصعد إلى أبي سأرسل لك واحداً من تلاميذي وهو تدّاوس فهو يشفيك ويمنحك ومن معك الحياة والسلام، وسيمنح مدينتك حصانة تحميها من كل عدو”.
وعندئذ سأل المعلم أن يؤتى له بمنديل وببعض الماء، فغسل وجهه ونشّفه بالمنديل فانطبعت صورة وجهه الإلهي على المنديل، وقد حمّل حنانيا المنديل والرسالة معه إلى أديسا ، حيث سجد له أبجر عند رؤيته اياه ولمسه ووضع المنديل على وجهه فنال شفاءً جزئياً لجسده، عدا منطقة صغيرة بقيت ظاهرة في جبينه حتى وصول التلميذ الذي وعد المخلّص بإرساله، وهو تدّاوس أحد التلاميذ السبعين (يعيّد له في 21 آب أغسطس)، والذي بشّر بالإنجيل في الرّها بعد العنصرة، وقام بشفاء الملك أبجر بشكل كامل وتعميده مع سائر الشعب فيها بعدما كرز هناك بالانجيل.

وضع الملك أبجر “المنديل المقدس” في إطار ذهبي مرصّع بالجواهر ووضعه في مكان فوق بوابة المدينة ونقش فوقها العبارة التالية: ” أيها الرب يسوع المسيح احفظ المؤمنين بك من كل مضرّة “. وبقي الناس لفترة طويلة ينحنون أمام الأيقونة ” غير المصنوعة بيد ” لدى مرورهم عبر بوابة المدينة. حتى جاء أحد أحفاد أبجر وحكم المدينة وسقط في الوثنية، فأمر بنزع الأيقونة من مكانها. ويقال أن الرب ظهر في حلم لأسقف المدينة وطلب إليه أن يُخفي الأيقونة. فجاء الأسقف مع كهنته ليلاً وأخفوا الأيقونة في أحد جدران السور وجعلوا أمامها قنديلاً مضيئاً وأغلق الحفرة بلوح من خشب ثم وضع طوباً لكي لا يعرف بها أحد. ومرّت السنوات ونسي الناس الأمر، حتى عام 545م حيث حاصر الإمبراطور الفارسي شوزروس (كسرى) المدينة وبدى وضعها العسكري ميؤوساً منه، حيث ظهرت السيدة العذراء في حلم لأسقف المدينة افلافيوس وطلبت منه أن يخرج الأيقونة من الجدار، وهي ستحمي المدينة من أعدائها. فجاء الأسقف إلى المكان الذي دلّته عليه السيدة والدة الاله ونبش الحائط فوجد الأيقونة ” غير المصنوعة بيد ” كما وضعها سلفه والقنديل أمامها لا يزال بمعجزة مضيئاً أمامها، وقد انطبعت نسخة أخرى من الأيقونة على اللوح الذي يغلق الحفرة التي في الجدار. كان الفرس قد أضرموا خارج الأسوار ناراً كبيرة في احتفال لهم لمّا ظهر الأسقف على الأسوار رافعاً الأيقونة العجائبية، فهبت ريح قوية وردّت النار باتجاه الجنود الفرس الذين فرّوا متراجعين عن المدينة فانفك الحصار عن المدينة.

عاد الفرس واحتلوا الرها ثم استرجعها هيراكليوس ملك الروم عام 628م. وفي عام 630م استولى العرب المسلمون على مدينة الرّها، لكنهم لم يُعيقوا إكرام الشعب للمنديل المقدس والذي ذاعت شهرته في الشرق بأكمله. وفي عام 944م أراد الإمبرطوار البيزنطي رومانوس لوكابينوس أن ينقل المنديل المقدس من مدينة الرها إلى القسطنطينية، ودفع فدية عنه للخليفة العباسي المتقي لله، بإطلاق سراح الكثيرين من الأسرى العرب المسلمين. فتمّ نقل الأيقونة مع الرسالة التي أرسلها الرب يسوع للملك أبجر بإكرام واحتفال كبيرين إلى القسطنطينية عاصمة الروم، ووصل إليها في السادس عشر من آب، وهي المناسبة التي تحتفل بها كنيستنا الارثوذكسية اليوم.

مصير المنديل المقدس!

يوجد عدد من الروايات حول مصير الأيقونة بعد ذلك، إحداها تقول أن الصليبيين سرقوها إبّان الحملة الصليبية الرابعة وفترة استيلائهم على المدينة ( 1204 – 1261 ) وأن السفينة التي كانت تقلّ حامليها غرقت ولاقوا حتفهم في مياه بحر مرمرة. وفي رواية أخرى أن الأيقونة نُقلت عام 1362 إلى جنوى في إيطاليا حيث حُفظت في دير مقام على اسم القديس برثلماوس الرسول. ومن المعلوم أن الأيقونة نسخت منها عدة نسخ، إحداها موجودة على عباءة وقد ظهرت في جورجيا. ولربما يكون تعدد الروايات حول مصير الأيقونة غير المصنوعة بيد سببه وجود عدة نسخ منها.
خلال فترة انتشار هرطقة حرب الأيقونات، قام المدافعون عن الأيقونات المقدسة بإنشاد ترنيمة للأيقونة غير المصنوعة بيد. وفي دليل على صحة الإعتقاد بالأيقونات المقدسة كتب بابا روما غريغوريوس الثاني ( 715 – 731 ) رسالة إلى الإمبراطور البيزنطي لاون الايصوري محارب الايقونات، أشار فيها لمعجزة شفاء الملك أبجر بواسطة الأيقونة غير المصنوعة بيد كحقيقة عامّة ومعروفة. ويذكر أيضا” أن القديس يوحنا الدمشقي وآباء المجمع المسكوني السابع أشاروا إلى “المنديليون” في معرض دفاعهم عن شرعية إكرام الأيقونات المقدسة. وأول ذكر للمنديل المقدس ورد في سفر “عقيدة اداي” العائد الى أواخر القرن الرابع الميلادي.
كما أن الأيقونة غير المصنوعة بيد كانت إحدى أهم كنوز الجيش الروسي لحمايته من الأعداء، ومن المعروف أن المؤمنين الروس كانوا يتلون طروبارية الأيقونة عند دخولهم للكنيسة جنباً إلى جنب مع الصلوات الأخرى.

وقد جعلت الكنيسة الأرثوذكسية التعييد لهذه الأيقونة تماماً بعد عيد رقاد السيدة، وتسمى باليونانية (Το Άγιον Μανδύλιον) ويسمّيها الروس ” أيقونة السيد على الكتان “، وهناك تقديس خاص لهذا العيد في الأيقونوغرافيا الروسية. وفي الكنائس البيزنطية توضع أيقونة “المنديل المقدس” فوق الابواب المقدسة المؤدية للهيكل، أو فوق الأبواب الملوكية الفاصلة ما بين النرثكس وصحن الكنيسة، وهي في أساس الايقونات التي شاع استعمالها في الكنيسة الأرثوذكسية بالاسم عينه. هذا وتعتبر أيقونة السيد غير المصنوعة بيد، واحدة من أكثر الأيقونات البيزنطية شهرة على الإطلاق لدى الأرثوذكسيين.

(طروبارية “المنديل المقدس” / على اللحن الثاني)
“لصورتكَ الطاهرة نَسجُد أيّها الصالح طالبين مغفرةَ ذنوبنا أيها المسيح الإله، لأنك ارتضيتَ أن ترتفعَ بالجَسدِ على الصليبِ طَوعاً، لتُنجّي من عبوديّة العدوّ الذين جَبلتَهُم. فلذلك نهتفُ إليكَ بارتياحٍ، لقد ملأتَ كلّ الخلائق فَرَحاً يا مُخلِّصَنا بمجيئكَ لخلاصِ العالم”.

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *