هانيبال القائد الفينيقي السوري القرطاجي قاهر رومة

فينيقيا هو الاسم الذي أطلقه اليونان القدماء أو الإغريق على الإقليم الذي تحتله الآن المناطق الساحلية من سورية الكبرى التي تضم سورية الحالية ولبنان وفلسطين المحتلة
ويمثل النَّهر الكبير الشمالي في منطقة اللاذقية الحدود الشمالية له، بينما يشكل جبل الكرمل حدوده الجنوبية، كذلك تحده جبال لبنان من الشرق والبحر المتوسط من الغرب
كان الفينيقيون من أشهر شعوب العالم القديم فقد كانوا بحارةً مهرة وملاّحين وتجاراً، وهم من اوائل من ارسل مكتشفين الى اعالي البحار وقد سجل لهم التاريخ إنجازين:انجاز ركوب البحار، وأقاموا مستعمرات على امتداد منطقة البحر الأبيض المتوسط، وماوراء مضيق جبل طارق ووصلوا الى الخليج العربي، وأن قارة أمريكا التي تعلمنا ان مكتشفها كريستوف كولومبس، ولكن الوثائق الخطية والآثارية التي تم العثور عليها مؤخراً تلغي هذا المفهوم المغالط للحقائق وان المؤرخ فائز قوصرة وعلماء المان اثبتوا ان الفينيقيين هم أول من اكتشف القارة الاميركية، واثبتوا ذلك بجديدهم هو اكتشاف لقى أثرية عليها نقوش كتابية، فمتاحف مونتريال في كندا ونيويورك وهافانا(كوبا) وكاراكاس (فنزويلا) زبوينس ايرس ولابلاشا (الارجنتين) تضم الكثير من النقوش المكتشفة، التي تؤكد ان كنعاني سورية أو الفينيقيين بحارة وصلوا اليها السنة 85 ق.م.وفي البرازيل وجدو الكثير من أسماء المناطق التي هي في أصلها من عندنا، واستدل على انهم كانوا يسمون انفسهم ب”بني كنعان” وخاصة “القرطاجيين”، ولغتهم هي العربية المشابهة للعربية التي يتكلم بها سكان المغرب العربي حالياً.واما النص الأهم المكتشف فهو في البرازيل في ولاية “براهيبا”، ومن النقوش الأخرى ماوجد على صخرة كبيرة تدعى ايبو وهي كلمات فينيقية فسرها عالم الآثاربدرو لاشيز فترجمها ونشرها في مخطوط كتبه عام 1853. من الآثار الفينيقية في البرازيل في نقوش منطقة “مورودوجافيا” وتعريبها “صور- فينيقيا- بدزير” الابن الأكبر”لجت بعل”.

وهنا اشارة واضحة الى اسم بلدهم ومدينتهم ولاسمائهم السورية كبعل كبير الالهة، وانهم جاؤوا من البلاد البعيدة، وهناك نقوش أخرى في وادي الأمازون تؤكد ان الفينيقيين انشؤوا مستعمرات فيها.

ويرجع العالم لاشيز اكتشافهم البرازيل الى سببين:

اولاً: وجود مجرىللمياه الدافئة يربط بين العالم القديم وشواطىء البرازيل كان الفينيقيون اول من اكتشفه، وكانت مراكبهم تعتمده لسهولة الملاحة فيه. ثانيا: مهارة الفينيقيين في الملاحة وتقدمهم الكبير في تفسير مجاري الهواء التي كانوا يعتمدون عليها لتسيير مراكبهم الشراعية، وأكدت آراء المؤرخ الالماني هيلدفيغ فيتزلير بقوله:” الفضل في اكتشاف امريكا يرجع الى العرب “ويقصد بهم الفينيقيين” قبل سائر الأقوام.

والانجاز الثاني هو وضعهم لأقدم أبجدية في العالم نشأت واشتقت منها كل الابجديات لاحقاً.

أصل التسميةلا يُعرف تحديدًا أصل كلمة فينيقيا، ويبدو أنها قد تطورت من كلمة كنعان، التي تعني بلاد الأرجوان، وهو الاسم الذى أُطلق في البدء على بلاد سورية وفلسطين.
كانت بلاد كنعان مصدرًا مهمًا للأرجوان الأحمر، يعتقد بعض الناس أن الإغريق ربما استخدموا لفظة فونيك التي تعني الأرجوان الأحمر إشارة إلى المجموعة
التي كانت تُتاجر معهم في هذا الأرجوان لكن هناك من لا يقبل هذا التأويل. وفي النهاية أصبحت لفظةفينيقيا، اسمًا للشريط الساحلي لبلاد كنعان.قامت المدن الفينيقية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط أوغاريت رأس شمرا وأرواد وصور وصيدا والفينيقيون هم من ابتكروا اول ابجديات التاريخ تطورت الأبجدية الإغريقية من الأبجدية (الألفباء) الفينيقية، ثم تطورت الابجدية الرومانية وكل الابجديات الغربية عن الاغريقية.

وكان للفينيقيين ابجديتان: ابجدية مدينة اوغاريت في موقع رأس شمرا بجانب مدينة اللاذقية السورية وتم اكتشاف الموقع في اوائل القرن 20 واكتشفت بها الالواح والرقم الطينية التي تحمل ابجدية اوغاريت،قد أهدت أوغاريت الأبجدية إلى العالم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، بينما تعود أبجدية جبيل إلى القرن العاشر قبل الميلاد. ومن أبجدية أوغاريت ولدت الأبجدية اللاتينية والعربية. كما اكتشف فيها اول ابجدية ومقطوعة موسيقية في التاريخ في منطقة عمريت بالقرب من اللاذقية.وابجدية لصور الفينيقية ايضاً، والابجديتان متماثلتان تقريباً الا من بعض الاختلافولهذا السبب يُعرف
الفينيقيون في العهد القديم أحيانًا بالكنعانيين
وكثيرًا مايُشار إليهم بالصيداويين نسبة لمدينة صيدا الفينيقية، ويُعرف العلماء أن أوغاريت رأس شمرا الحالية
مدينة الفينيقيين الشمالية، والتي تقع في غربي سورية (منطقة اللاذقية حالياً) كانت على اتصال بحضارة كريت منذ 1900ق.م. وفي مابينعامي 1400م، و 1200ق.م. ازدهرت مُستعمرة مسينية في أوغاريت.وقد قام الفينيقيون بدور رائد في الحضارات القديمة وسماهم الاغريق ثم الرومان بالقونيين نسبة الى ابتكارهم الصباغ الاحمر والارجوان (كما اسلفنا)، اضافة الى فن صناعة الزحاج وخاصة منه الملون ببراعة اعطتهم الريادة في الزجاج والفخاريات والالوان ولكن كانت البراعة والابتكار الاوضح في ركوب البحر وصناعة السفن ومنها انطلقوا الى العالم اولاً عبر البحر الابيض المتوسط الذي جعلوه بحيرة فيتيقية كما اسلفنا، وبنوا لهم مستعمرات على طول السواحل وخاصة في الشمال الافريقي عبر قرطاج (تونس) وجنوب شبه الجزيرة الايبيرية أي اسبانيا والبرتغال، وعمروا العديد من مدنها الكبرى حاليا.اسبانيادعونا إذن نعود بالزمن إلى ما قبل الألف الرابع قبل الميلاد. لقد كانت تلك الأرض التي سميت فيما بعد (إسبانيا) مسرحاً للأقوام الهمجية من أكلة لحوم البشر، وساكني الكهوف مثلها مثل كل البقاع الأوربية آنذاك. وإن أول شعب متمدن نزل إسبانيا واستوطن فيها هم الفينيقيون، وكانت أول مدينة أسسها الفينيقيون في تلك البلاد “ترشيش” . و”ترشيش” كلمة فينيقية تعني اليشب، وهو حجر كريم أبيض اللون. وقد تهدمت تلك المدينة وأقام الفينيقيون على أنقاضها مدينة جادس الشهيرة والباقية حتى اليوم. وتعني “جادس” أو “جادش” : السعد، الحظ، البركة، الطائر الميمون. كما تعني السفينة الطويلة العظيمة وهذا ما يؤكده شكلها المتطاول في المحيط. وإلى جانب جادش قامت عدة مدن فينيقية سورية مثل “قرطبة” وهي القرية الطيبة أو مدينة الطوبى أي النعيم، وغرناطة “جرناثا” وتعني الشمس المشرقة.إسم اسبانياأما اسم إسبانيا فقد أطلقه الفينيقيون على شبه جزيرة أيبيريا، فقد كان الفينيقيون يقتصرون في البداية على حوض البحر الأبيض المتوسط، و لا يتجاوزونه إلى المحيط الأطلسي الذي كان مخيفاً مجهولاً، فاعتبروا آنذاك أن الشاطىء الاسباني هو نهاية طموحهم في الغرب فاعتبروه الحد الطبيعي لحركتهم ودعي لذلك الشاطىء الغربي ( سفا ) أي : شفا ، حد ، تخم ، طرف، ساحل، شاطىء، نهاية كما تعني كما صاروا يطلقون على الفينيقيين الذين شادوا المدن و المرافىء الشفة أيضاً و الفاء كانوا يلفظونها p هناك اسم : اسفان ( إسبان : إذ النون للجمع . و الفاء تلفظ باء . و الهمزة أو الهاء للتعريف ) و تعني : سكان النهاية،الحافة.الآثار الفينيفية في اسبانيا

أما عن الآثار الفنية والدينية للفينيقيين في إسبانيا فقد عُرف في إسبانيا نوعان من المعابد الشبيهة بتلك التي كانت قائمة في سورية:
النوع الأول: الهياكل العاديةوالنوع الثاني: المعابد المغاور، وهي الأقدم.

بالنسبة للنوع الأول من المعابد وصلنا ذكر معابد: ملقارت (ملك القرية، رب القرية) عشتار، وبعل- حمون في قادس أو بالقرب منها، وفي مالاجا وفي قرطاج الجديدة. أما المعابد المغاور فقد كانت مرتبطة بالربة الأنثى فقط : عشتروت قبالة قادس، وتينيت- بالقرب من قادس.
تظهر صور إلهة الخصب السورية في فن النحت الأسباني، وفي فن الرسم على الأواني. كما وجد تماثيل برونزية لعشتروت في كارامبولو (كرم الأمير) وتؤكد النقوش والكتابات على قاعدتها مصدرها الفينيقي. كما وجد ختم عثر عليه في كنز أليسار يحمل الرسوم التالية: شجرة الحياة وطائر الفينيق السوري، شجرة نخيل وإلى جانبها إلاهان وصقر.وهكذا نرى كيف كانت إسبانيا تحت سيطرة الفينيقيين الذين كانوا أول من عمّرها وأقام فيها المدن ولقد ضمها كلها همليقار والد هنيبال، وانطلق منها القائد هنيبال فيما بعد إلى جبال الألب.
بقيت الفينيقية هي لغة الحضارة في إسبانيا.

رواد البحار
كان الفينيقيون بحارة لم يعرف العالم القديم لهم مثيلا في الشجاعة والاقدام والمهارة في ركوب البحر كانوا منذ فجر التاريخ يمخرون بسفنهم عباب البحار المجهولة تجارا ومستكشفين مقاتلين عند الحاجة مقيمين محطات تجارية واحيانا مستوطنات صغيرة حيث تدعو الضرورة والمصلحة هؤلاء الفينيقيون هم اول من عبر مضائق اعمدة هرقل_ جبل طارق فيما بعد_ واول من توغل في بحر الظلمات البحر الاطلسي حتى بريطانيا حيث اقاموا تجارة رابحة للقصدير ووصلوا الى مصب الامازون وتركوا لوحاً منقوشاً بالاوغاريتية يؤرخ لرحلتهم التاريخية هذه التي سبقت كريستوف كولومبوس بالفي سنة تقريباً.قرطاجتأسيس قرطاج
وضع حجر الاساس 814 ق ب من قبل الاوغاريتيين او بحارة فينيقيين من صور أو من قبل أوتيقة “عتيقة”المستوطنة الفينيقية المجاورة.اما الأسطورة فتعطي ذلك الى إليسا ملكة صور، فتقول ان الملكة إليسا ملكة صور هي التي بنت المدينة، وكان شقيقها بيغماليون قد قتل زوجها، ففرت هاربة مع بعض أنصارها وجاءت الى الشمال الأفريقي وقد حلت منذ وصولها ضيفة على المستوطنة “أوتيقة”. ثم جرى اتصال مع ملك الاقليم المحلي واتفقت إليسا معه أن يبيعها قطعة ارض على الساحل بمساحة جلد ثور، وعندما حان موعد التنفيذ، وإذ بالملكة وصحبها يحضرون، وقد قطعوا جلد الثور وحولوه الى حبل رفيع طويل، وطالبوا البائع بتنفيذ البيع لمساحة تكون دائرتها بطول ذلك الحبل الجلدي.دعيت المدينة عند تأسيسها باسم “قريات حديثات” اي البلدة الجديدة وتحول هذا الاسم لدى الاغريق الى “قرشدون” وحوله الرومان بدورهم الى” كارتاكو”وتدعى اليوم عالميا باسم “قرطاج”.
تطورت “قريات حديثة” او “قرطاج” بسرعة كي تغدو مع الايام أكبر مدينة تجارية على ضفاف البحر الابيض المتوسط.
تطور قرطاج واتساعها

مع ازدهار التجارة والصناعة، اتسعت المدينة حتى بلغ محيطها قرابة 35 كم، وبلغ تعداد سكانها في أوج حضارتها ما يربو على 750 الف نسمة.
وفرضت قرطاج هيمنتها على جميع المناطق الافريقية المحيطة بها. وفرضت سيطرتها التجارية على كل ساحل البحر الابيض المتوسط وجنوب شبه الجزيرة الايبيرية، وعلى جزر سردينيا وصقلية وكورسيكا، وكانت قرطاج قد جهزت نفسها باسطول بحري قوي لصد اي هجمات للقراصنة، ولردع الامم المنافسة لها
وبالتالي مما ادى الى احتكاكها مع روما التي كانت تعتبر نفسها امبراطورة العالم كما الولايات المتحدة اليوم.
أدى هذا الاحتكاك الدموي الى ابرام معاهدة بين قرطاج وروما جعل البحر الابيض المتوسط بحيرة قرطاجية، منعت بموجبها السفن الرومانية من الابحار في حوض البحر الابيض المتوسط وتكريس هذا الحوض لمدة طويلة كبحيرة قرطاجية.اليسا ملكة صور التي قيل انها التجأت وبنت قرطاجنظام الحكم
بدأ ملكياً ثم استبدل بعد وقت بمجلس رئاسي، اي مجلس شيوخ يدعى سوفيتس مكون من 300 عضو، ومجلس ثان يتالف من 100 عضو، ينتخبهم مجلس الثلاثمائة، وكان هذا المجلس الرئاسي هو هيئة مستقلة تماما عن هذا المجلس ويتولى السلطتين التنفيذية والعسكرية في قرطاج.
كانت سفن الحرب الفينيقية مكونة من خمس طبقات للتجديف كل سفينة تحمل 200 جذاف، 40 جذافاً في كل طبقة وتحمل 120 من جنود البحر.
هانيبالهانيبال بن حمليقار برقا، معروف ب”حنا بعل” ولد في شمال أفريقيا بمدينة قرطاج حيث كانت في ذلك الوقت تشكل مستوطنة فينيقية اسسها فينيقيو رأس شمرا وارواد عام 247 قبل الميلاد، ( الساحل السوري الذي يمتد من منطقة كيليكيا الى شاطىء جزيرة سيناء كما كانت سورية الطبيعية، تشتمل على كل هذه الرقعة الجغرافية الممتدة من وسط وجنوب غرب آسيا الصغرى ومنطقة ماردين الى جزيرة سيناء ) في منطقة رأس شمرا عاش في الفترة بين 247-182 قبل الميلاد وعندما كان في التاسعة من عمره رافق والده إلى شبه الجزيرة الايبيرية (اسبانيا حالياً)، وبعد اغتيال زوج أخته “صدر بعل” العادل عام 221 قبل الميلاد والذي كان قائداً للجيش القرطاجي آنذاك اختاره الجيش ليصبح قائداً له من بعده، فبسط نفوذ قرطاج على جزء من جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية بما فيها ساغونتو وهي أحد المعسكرات الرومانية، وهو ما اعتبرته روما خرقاً للمعاهدة التي وقعت بعد انتهاء الحرب البونيقية الأولى فطالبت بتسليم حنبعل مما سبب في وقوع الحرب البونيقية الثانية في الفترة بين 218-201 قبل الميلاد.تنسب لهانيبال الكثير من الاختراعات والتكتيكات الحربية التي استخدمها في معاركه والتي بقيت تستخدم حتى اليوم، وقد كان أبوه حمليقار قائداً للقرطاجيين خلال الحرب البونيقية الأولى، كما كان أخوه صدر بعل وماجو من أعظم القادة القرطاجيين الفينيقيين. وهو صار أيضاً من أعظم القادة القرطاجيين الذين اخرجتهم قرطاج في تاريخها الذي استمر لثمانية قرون.
ولد في مدينة قرطاجة سنة 247 ق م، ومات منتحرا بالسم في قرية ليبيسا في آسية الصغرى كي لايقع بأيدي الرومان.ان الاسم الفينيقي الكنعاني هو “هني بعل” او “هنيبعل” وتعني “محبوب الرب”، أو “مختار الاله” أو “عبد الله” وقد تحرف بالاستعمال عالمياً، فأصبح “هانيبال”.
كان هانيبال هو الابن البكر لهمليقار برقة. وبرقة هي كنية العائلة، وتعني “الصاعقة” بالفينيقية. وكان له شقيقان “أسد روبال” أي الأسد الغضنفر، و”ماكو”. وقد قتل أسد روبال في ايطاليا عام 203 ق م، اما ماكو الشقيق الاصغر فقد جرح في معركة ضد الرومان عام 203 ق م، وتوفي متأثراً باصابته.
كانت عائلة “برقة” من عائلات قرطاج البارزة وتعود بنسبها الى الملكة إليسا المؤسسة لقرطاج.قرطاجتربى هانيبال منذ صغره في ايطاليا واسبانيا وآسيا الصغرى مع الجيش، وتلقى تربية عسكرية متتلمذا على والده وصهره. لذا انتخب لقيادة الجيش في اسبانيا خلفاً لزوج اخته المقتول، وتزوج الأميرة أميلكا الإسبانية.

يوجد له تمثال نصفي في كوبنهاجن بالدانمارك، وتمثال نصفي اخر في مدريد باسبانيا، وقد اكتشف له في عام 1944 تمثالٌ نصفي من البرونز.حملة هانيبال لاقتحام رومة بأفياله الافريقيةوقد تحدث هانيبال عن نفسه عندما كان يعيش منفياً في بلاط الملك السوري أنطيوخوس الكبير تلميذ الاسكندر الأكبر الذي هومؤسس الدولة الهلنستية، حيث تحدث عن رحلته مع أبيه إلى إسبانيا فقال:
“في المعبد أخذني والدي من يدي، وقادني حتى الهيكل، وطلب مني أن أقسم بان لا أكون أبداً صديقاً لروما، وقد فعلت، وحافظت دوما على قسمي.”
وفي صيف 236 ق م عبر هاميلكار بقواته من أفريقيا إلى أوربه، واستوطن هاميلكار في اسبانيا، وخلال 9 سنوات من وجوده فيها، عمل على إكمال احتلال اسبانيا، واغتيل فيها فخلفه زوج ابنته أسد روبال الملقب بالبديع.
وأسس قرطاج جديدة في اسبانية على البحر المتوسط، واتخذها مقراً لقيادته، وقد اغتيل بدوره عام 220 ق م بعد حكم دام ثماني سنوات، فانتخب الضباط هانيبال خلفا له في القيادة.من أهم الانجازات العسكرية التي حققها هانيبال كانت خلال الحرب البونيقية الثانية. اما أهم الحروب التي خاضها هانيبال في عام 214 قبل الميلاد فكانت انه وردت أنباء إلى هانيبال أنّ الرومان يستعدون لتطبيق خطة تهدف لنقل الحرب إلى أفريقيا وبالتحديد إلى مركز قرطاج، فترك أخاه صدر بعل على رأس ولاية قرطاج وقرر الإسراع بالبدء في حملته البرية ضد الرومان عندما قاد جيش بلاده الى روما وكان جيشه يضم الأفيال وانطلق من منطقة أيبيريا إلى شمال إيطاليا عبر جبال الألب وجبال البرانس وحاول الوصول بسرعة كبيرة إلى نهر البو من أجل إيقاع أفدح الخسائر بالرومان وتحميلهم تكاليف الحرب، فكانت هناك عدة معارك خاضها ضد الرومان أهمها: معركة تيسينيوس: هي أول معركة خاضها حنبعل وكانت على شاطيء نهر تسينو، وانتصر فيها على الرومان بعد أن طوق الفرسان البونيقيون جيوش الرومان من الخلف ولم يصمدوا أمام رماحهم وسقط قائد الرومان في هذه المعركة جريحاً فعاد مهزوماً إلى بلاده. معركة تريبيا: هي معركة وقعت على ضفاف نهر تريبيا بين جيوش الرومان وجيوش حنبعل، وقد أرسل الرومان هذا الجيش لمسح هزيمتهم في معركة تيسينيوس، لكن اختيار حنبعل لمكان المعركة ساعده بتحقيق النصر مرة أخرى حينما غمرت مياه النهر جيوش الرومان وأوحلت في الطين. معركة ترازايمين: وقعت هذه المعركة عام 217 قبل الميلاد عند بحيرة ترازايمين، حيث حشد الرومان جيشاً مكوّناً من أربعين ألف مقاتلاً وتوجهوا لمقاتلة جيوش حنبعل الذي كان لهم بالمرصاد من أعالي الجبال وانتهت المعركة بانصر حنبعل وهزيمة ساحقة للرومان.
أسباب الحرب
ازدهرت اسبانيا كثيراً وخاصة قرطاج الجديدة، وغدت هذه المدينة مركزاً تجارياً هاماً، وقد أقلق هذا الازدهار روما اليقظة المتربصة.
وأثار اهتمام “مسيليا” أو مرسيليا الفرنسية وتخوفها التجاري، وكان أن تقدمت بشكوى إلى روما وكانت هذه لها حليفة وصديقة.
أعطت هذه الشكوى حجة لروما بالتدخل، فأرسلت إلى اسبانيا سفارة، أدت إلى اتفاق مع أسد روبال أنذاك بعدم تجاوزه نهر الايبرو شمالاً.
ولكن الاختلاف تجدد عندما عبرهانيبال نهر ساكنتوم الواقع بعد سبعين كيلومتراً جنوبي نهر ايبرو، عندها ادَّعت روما أن نهر ساكنتوم لايجوز عبوره، وفق ما كان قد اتُفق عليه، فيما أصَّر هانيبال على القول بان نهر ايبرو هو الحد المتفق عليه. وقد زاد الطين بلة عندما هاجم هانيبال مدينة واقعة بين النهرين وكانت تحت حماية روما، ما أدى الى مطالبتها هانيبال وقرطاج بان يسلم نفسه اليها لتقوم بمحاكمته، والانسحاب من ساكنتوم، ودفع غرامة حربية مناسبة.رفضت قرطاج ذلك، ما ادى إلى إعلان روما الحرب على قرطاج، وهكذا وقعت “الحرب البونيقية الثانية”.كانت هذه الحرب حرب هانيبال بامتياز، وكان مصمماً على فرض الأحداث على روما، وعلى نقل الحرب الى ديارها، اي الى ايطاليا بالذات.ما كان يحلم ويخطط له هانيبال كان بعيدا عن الأنانية والدرهم والدينار، الذي كان الحصول عليه واكتنازه هو هم اعضاء مجلس الشيوخ في قرطاج وهو ماكانوا يفكرون به.
اختار هانيبال طريقاً برياً في حملته العسكرية على روما، وكان عليه ان يقطع 1300 كيلومتراً ليصل الى العاصمة روما، مايعني عبور نهر الرون الكبير، وعدة أنهار كبرى اخرى، واجتاز هانيبال السلسلتين الجبليتين “جبال البيرينة بين اسبانيا وبلاد الغال (فرنسا)، و”سلسلة جبال الألب” “غاليا” و”ايطاليا” وخاض معارك شرسة خلال هذا الطريق المكسو بالثلوج، وكان عدد مقاتلي الجيش القرطاجي عندما بدأ حملته 100 الف مقاتل، فوصل منه إلى إيطاليا حوالي ربع هذا العدد بسبب إحداثه نقاطاً عسكرية، ترك فيها حاميات على طول الطريق للحفاظ على مواصلاته طريق إمداده ومؤخرة جيشه إلى اسبانية.
قضى هانيبال 16 عشر عاماً في ايطاليا، خاض فيها معارك مع الرومان كان النصر حليفه في معظمها/ ولكن لم يستطع حسم الحرب نهائياً.في إحدى المعارك، وحسب الوثائق، خسر الرومان في معركة كانة 50000 الف مقاتل و20000 الف أسير، وقدرت خسائر القرطاجيين بحوالي 8000 مقاتل وقد بلغ هانيبال في هذه المعركة ذروة إبداعه التكتيكي ومهارته الميدانية.
قال عنه المؤرخ الروماني بوليبوس: “كان تاثيرهانيبال كانسان عظيم مدهشاً”
ويقول عنه المؤرخ “ممسن”:” انه كان يتميز خاصة بتلك الفطرة المبدعة التي هي إحدى خصال القادة الفينيقيين”.
وكان له جهاز إستخبارات لا مثيل له، كان له عيون استخبارية حتى داخل روما نفسها، وكثيرا ما كان يتنكر بألبسة تنكرية، وشعر مستعار لغرض الحصول بنفسه على معلومات. وكان السؤال:” مالذي كان باستطاعة النظام الروماني العسكري ان يفعل ضد مثل هذا الرجل…”وهي لم تستطع ان تفعل شيئاً، ومع ذلك فان النهاية كانت انتصار روما، كما حصل في تدمر والبتراء…
ومن أهم أسباب خسارة هانيبال، كان فساد نظام الحكم في قرطاج، وسوء ادارة حكامها وبلادتهم وانانيتهم وقصر نظرهم، والأشد كان عدم تقديمهم الامداد اللازم لانتصاره.
وبعد كل هذه السنوات والانتصارت التي حققها لقرطاج على رومة، هُزم هانيبال أخيرا في إحدى المعارك وهي معركة زاما انسحب بعدها الى معسكره في هدراميتوم، واستُدعي من قبل حكومة قرطاج للعودة اليها، وهو في طريق العودة، أرسلت قرطاج رسلاً الى القائد الروماني خصم هانيبال من اجل الصلح. ولكن بحضوره تم عقد الاجتماعات…
طبعا كان هناك الكثير من الشروط المذلة على قرطاج، والغرامة الحربية الباهظة، والامور التي جعلت من قرطاج تابعة لرومه، ولكن الأهم ان شروط المعاهدة لم تتضمن أية إشارة لهانيبال لجهة تسليم نفسه، ولا أي إجراء ثأري ضده أو ضد عائلته، وذلك بسبب التقدير الشخصي من قبل القائد الروماني شيبيو الذي كان يكنه لهانيبال كقائد حربي متميز. وهناك رواية تقول أنهما بعد سنتين في أفيزوس أي بعد معركة زاما، اجتمعا كصديقين قديمين. ويقال ان شيبيو سأل هانيبال عمن هم برأيه أعظم ثلاثة قادة عسكريين؟ فكان جوابه:” الاسكندرالكبير، وبيروس ملك ابيروس،وشيبيو…”
فرد عليه شيبيو:” ولو فرضنا كنت انت المنتصر في معركة زاما؟” /طبعا كانت هذه المعركة هي الحاسمة، وأول هزيمة عسكرية لهانيبال./ فرد عليه:” لو انتصرت بها لوضعت إسمي في راس القائمة.”
بعد رحيل شيبيو وجيشه، تقاعد هانيبال، واعتزل الحياة العامة. ولكن وطنه كان يغوص ويغرق في بحر من فساد الحكم والادارة، وعدم الكفاءة. فأخذ يستخدم صلاحياته ونفوذه لصالح الجماهير القرطاجية التي رأت به المنقذ ضد الطبقة الارستقراطية الكبيرة، التي لم يكن همها سوى اكتناز المال.وكان قد بلغ السيل الزبى عندما اعلن مجلس القضاة بان البلاد لا تستطيع دفع غرامة الحرب السنوية لرومة وفرضوا ضريبة كبيرة على الشعب، فردت الجماهير على ذلك بانتخاب هانيبال حاكماً، وللحال وضع هانيبال نظاماً مالياً جديداً أمكن بواسطته في بضع سنوات تحسين الاقتصاد القرطاجي، وجعله أفضل مما كان عليه أيام الحرب، وجعل نظام الحكم نظامياً انتخابياً، وألغى امتيازات الارستقراطيين، وهكذا أقام حكماً قرطاجياً ديمقراطياً كان أصدق ديمقراطية شهدها التاريخ وقتذاك.
ولسوء حظ هانيبال عند وصوله للحكم تزامن وصوله مع تورط جديد لروما في الشرق.
وكان أعداء هانيبال في قرطاج، قد وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهته، مع شعبيته الطاغية، فبعثوا بسفارة الى روما، تتهمه بانه يتامر سرا مع انطيوخوس للعودة الى الحرب ضد روما (طبعا انطيوخوس هو القائد اليوناني الذي كان قائدا تحت إمرة الاسكندرالكبيرو الذي كان قد تملك سورية وذلك بعد تقسيم امبراطورية الاسكندر الكبير، ومؤسس انطاكية والدولة السلوقية) وقد وقفا شيبيو مع هانيبال مدافعا عنه لكن دون جدوى وهكذا ابحرت عام 195 ق م سفارة الى قرطاجة كانت ذاهبة الى قرطاجة على اساس التوسط (ظاهرياً) بين قرطاجة ومازينيسا في نزاع على الحدود. ولكن شيبيو ارسل رسلاً الى هانيبال بأنه هو المقصود وسيسلم الى روما.
وقد رأى هانيبال ان لا يجعل من شخصه موضوعاً قد يؤدي الى حرب ودمار قرطاجة، لذا استعد للفرار، وفر الى صور، وقد لقي في هذه الحاضرة الفينيقية استقبالاً كبيراً كان بمثابة استقبال الظافرين، وتابع إبحاره الى افيزوس عاصمة انطيوخوس الثالث، وبعدها بسنوات اضطر الى التوجه الى كريت الى مكان يدعي كورتينا، وبدا ان ذلك الملجأ هو الامان له، ولكن سعي روما الطويل في البحث عنه لتصفيته لم يتوقف ابداً، فأضطر للهرب مجدداً من جزيرة كريت، متجها الى الشرق، وأمضى بعض الوقت في أرمينيا وانتهى به المطاف الى مملكة بيثيتيا الصغيرة في تراقيا من أعمال آسية الصغرى، ويقال ان شيبيو كان يعلم بوجوده هناك، لكنه احتفظ ذلك سراً لنفسه ولم يفش هذا السر لأحد. وأقام هانيبال حوالي ثلاثة أعوام هناك، يعيش بسلام في قرية صغيرة تدعى ليبيسا تقع على مقربة من نيقوميذياعاصمة المملكة.
وكانت هذه المملكة الصغيرة على خلاف مع جارتها مملكة بركاموم، وقد جرت حربٌ بين المملكتين الصغيرتين، وكانت مملكة بيثيتيا هي الخاسرة، وقد شكا ملك بيثيتيا أمره الى ضيفه هانيبال، وبتدبير وارشاد من هانيبال عادت وانتصرت بيثيتيا.
وبعد هذا النزاع، بعثت رومة تستدعي مندوبين عن المملكتين المتحاربتين للتفاوض، وفك النزاع. وفي رومة أتى أحدهم على ذكر هانيبال، وكان هذا الاسم كافياً لقض مضجع مجلس الشيوخ في رومة الذي أسرع فأرسل القائد فلامينيوس على رأس قوة من الجيش ليطالب ملك بيثيتيا بتسليم القائد القرطاجي الكبير هانيبال الذي كان يومذاك بعمر 64 سنة، ولما لم يكن بوسع الملك ان يعاند رومة ورأى ان لا سبيل إلى هربه أو لربما اعتراه اليأس وملَّ حياة التشرد والاغتراب، فطلب كأساً من النبيذ ليمزجه بالسم الزعاف وليقتل نفسه و لا الوقوع حيا في اسر الرومان.
ويقول المؤرخ الروماني ليفي ان اخركلمات هانيبال وهو في نزعه الاخير كانت:
“ها أنا أُحرر الشعب الروماني من قلقه المقيم المزمن واريّحه مما يكابد من تعب وإرهاق من جراء انتظاره لرحيل رجل مسن من هذا العالم الفاني. وكان يقصد نفسه انه الرجل المسن المُنتظر رحيله.وتناول السم ومات بعد كل هذا التألق، ودخل اسمه في التاريخ كقاهر لرومة وفي عقر دارها.