هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟

هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟

هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟

تؤمن كنيستنا أن الرسول يوحنا قد انتقل بمشيئة الرب بلا رُقاد، كإيليا وأخنوخ وفق ما يُعلن التقليد، كما جاء في الإنجيل وسيرة الرسول.
فحين أخبر المسيح له المجد القديس بطرس بأيّ ميتةٍ كان مُزمِعاً أن يموت، يقول الإنجيل:
“فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضًا الَّذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ الْعَشَاءِ .. فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هذَا، قَالَ لِيَسُوعَ:«يَارَبُّ، وَهذَا مَا لَهُ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ!». فَذَاعَ هذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ. وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ، بَلْ:«إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟». هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا. وَنَعْلَمُ أَنَّ شَهَادَتَهُ حَقٌّ” (يو٢٠:٢١-٢٤).
قال المسيح عن يوحنا: “إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟”، فَذَاعَ هذَا الْقَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذلِكَ التِّلْمِيذَ لاَ يَمُوتُ.
ومن تواضع القديس يوحنا في التدوين، فغالباً ما كان يتجنّب ذِكر إسمه، فيذكر نفسه بصيغة الغائب، أو التلميذ الذي كان يحبه يسوع، أو التلميذ الآخر.
فقال: وَلكِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لاَ يَمُوتُ، بَلْ:«إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟». هذَا هُوَ التِّلْمِيذُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهذَا وَكَتَبَ هذَا.
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟

فماذا حدث بعد ذلك؟

بعد سنوات طويلة من خدمة القديس يوحنا وكرازته، تم إلقاء القبض عليه وأُرسِل مُقيداً إلى روما، على زمن الإمبراطور دومتيان (٨١-٩٦م)، وهناك أُلقي في قدر زيت مغلي، فلم يؤثر عليه كما لو أنه قد أُلقي في ماء بارد! فأنقذه الرب بصورة عجائبية من الموت. مما أثار الإمبراطور عليه فأمر بنفيه إلى جزيرة بطمس، وهي إحدى جزر بحر إيجه وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة أفسس. (١)
وقد مكث بالجزيرة تقريباً سنة ونصف كتب خلالها رؤياه حوالى سنة ٩٥م. ثم أفرج عنه فى زمن الإمبراطور نرفا (٩٦-٩٨م) الذي خلف دومتيان، فعاد إلى أفسس ليمارس خدمته وتبشيره، وهناك كتب رسائله الثلاثة.
وفي أفسس أمضى أواخر حياته، وحين بلغ من العمر نحو المئة والخمس سنوات، شعر بقرب انتقاله من هذا العالم، وعظ الشعب وأوصاهم أن يثبتوا على الإيمان ثم خرج قليلاً من مدينة أفسس وأمر تلميذه وآخرين معه أن يحفروا له حفرة قبر هناك. فنزل ورفع يديه وصلى ثم أمرهم أن يعودوا إلى المدينة ويُثبّتوا الأخوة على الإيمان بالمسيح قائلاً لهم: “أنني بريء الآن من دمكم لأني لم أترك وصية من وصايا الرب إلا وقد أعلمتكم بها. والآن أعلموا أنكم لاترون وجهى بعد. وأن الله سيجازى كل واحد حسب أعماله”. فودّعوه وتركوه في الحفرة حياً (كما نرى في الأيقونة عيناه مفتوحتان، والتراب فقط على نصف جسده)، ومضوا الى المدينة كما طلب منهم يوحنا .فلمّا علم الشعب بذلك خرجوا جميعهم بعد ثلاث أيام إلى حيث القديس، فلم يجدوا جسده في القبر فبكوه بحزن عميق، إذ انتقل ولا جسد له باقٍ. وقبره الفارغ موجود في سلجوق في تركيا إلى يومنا هذا.
هو الوحيد من بين جميع رسل المسيح لم يستشهد (لم يُقتَل). لكن نرى أن المسيح قد تنبّأ له بنهاية شهادة إذ قال له ولأخيه يعقوب: “أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ” (مر٣٩:١٠)!
نعلم أن يعقوب قد شرب الكأس، إذ أمر هيرودس بقتله، فاستشهد. لكن ماذا عن يوحنا، هل تحققت فيه نبوّة المسيح؟ هذا ما سيحدث في خدمته في نهاية الزمان، فبحسب تقليد كنيستنا، سيُقتل كما سيقتل الشاهدان إيليا وأخنوخ على زمن “ضد المسيح”. وحينها ستتحقق نبوة المسيح فيه وأنه سيشرب من نفس الكأس وسيصطبغ بنفس الصبغة التي اصطبغ بها هو!
وهناك نص آخر يؤكد هذه الحقيقة في سفر الرؤيا يقول: “فَأَخَذْتُ (يوحنا) السِّفْرَ الصَّغِيرَ مِنْ يَدِ الْمَلاَكِ وَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ فِي فَمِي حُلْوًا كَالْعَسَلِ. وَبَعْدَ مَا أَكَلْتُهُ صَارَ جَوْفِي مُرًّا. فَقَالَ لِي:«يَجِبُ أَنَّكَ تَتَنَبَّأُ أَيْضًا عَلَى شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ»” (رؤيا١٠:١٠-١١).
كيف سيتنبّأ يوحنا على شُعُوبٍ وَأُمَمٍ وَأَلْسِنَةٍ وَمُلُوكٍ كَثِيرِينَ، وهو قد غادر العالم بعد بضع سنوات من كتابته لهذه الرؤيا دون أن يتنبأ أمام الشعوب والملوك؟!
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟
ولعل أفضل من يشرح هذا النص هو أنثيموس بطريرك أورشليم إذ يقول: “وأما قول الملاك له أنه لا بدك له من أن يتنبّأ أيضاً على شعوب وأمم ..إلخ. فهو ما يؤيد العقيدة الشائعة بيننا نحن الأرثوذكسيين من أن هذا القديس المجيد يوحنا الإنجيلي لم يمُت موتاً طبيعياً (انفصال نفسه عن جسده)، بل انتقل إلى مكان يعرفه الرب الإله وحده. وأنه حي كإيليا لكي يأتي أيضاً هو وإيليا متى جاء المسيح الدجال، ويُعلّم الناس الأمور التي أُمِر بأن يُبقيها مختومة، حتى ذلك الزمان. واعلَم أن الرب قد أعطى الجنس البشري ثلاثة نواميس. الناموس الطبيعي الذي سنّه الله لآدم في الفردوس وغرسه في طبيعة كل واحد منّا. والناموس المكتوب الذي أعطاه الله بواسطة موسى في طور سيناء لبني اسرائيل. والناموس الإنجيلي الذي سلّمه ربنا يسوع المسيح بواسطة الرسل القديسين في أورشليم لعموم البشر. فلا بد والحالة هذه من أنه في أواخر الأزمنة يحضر شهود لهذه النواميس. فأمّا للطبيعي فسيحضر أخنوخ، وأمّا للموسوي فسيحضر ايليا، وأمّا للإنجيلي فسيحضر هذا البشير. الذي سيُقتل هو وأخنوخ وإيليا على عهد المسيح الدجال. فقد قال الرب له ولأخيه يعقوب: “أَمَّا الْكَأْسُ الَّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصِّبْغَةِ الَّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ” (مر٣٩:١٠). مشيراً بذلك إلى موت الشهادة. ومن المعلوم أن يعقوب قتله هيرودس فشرب كأس المسيح واصطبغ بحسب موته. وأما يوحنا فلم يحصل بعد على نهاية كهذه. فيحق لنا أن نقول أنه سيُقتل في عصر الدجال لكي يصدّق فيه قول الرب”. (٢)
لذلك نُعيّد “لعيد انتقاله” في ٩ تشرين الأول من كل عام.
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟
هل الرسول يوحنا الحبيب مات أم انتقل؟

طروباريته

“يا أيها الرسول المتكلّم باللاهوت، حبيب المسيح الإله، أسرعْ وأنقذ شعباً عادم الحجة، لأن الذي تنازل أن تتكئَ على صدرهِ يقبلك متوسلاً، فإليه ابتهل أن يبدّد سحابة الأمم المعاندة، طالباً لنا السلامة والرحمة العظمى.”

حواشي البحث

(١) مازال حتى يوحنا هذا بعض المعالم الأثرية عن سكنى القديس يوحنا بها، كالكهف التي كان يعيش فيه.
(٢) تفسير رؤيا يوحنا اللاهوتي، لأنثيموس بطريرك أورشليم، ص٧٩-٨٩.

 

  • Beta

Beta feature

  • Beta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *