هل وجود القديس افرام السرياني في كنيستنا دليل على هويتها السريانية ؟ أو وجود قديسين عرب دليل على هويتها العربية ؟
يقول البعض إن كنيستنا سريانية على اعتبار أن قديسين مثل إسحق السرياني أو أفرام السرياني كانا موجودين فيها .
في الكنيسة قديسون من كافة الأمم . ففيها قديسون مثل يعقوب الفارسي ، أو غريغوريوس الأرمني المنور ، أو موسى الحبشي ، او أوغوسطينوس اللاتيني …
وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال اننا أرمن أو فرس أو احباش، او لاتين، او حتى افارقة…

كذلك فإن كنيسة اليونان ( أثينا ) نفسها تعظم أفرام السرياني ، فهل هذا يعني أنها هي أيضاً سريانية ؟
أضف إلى ذلك ، أن وصفه ، في المراجع الرومية دائماً بـالـ « سرياني » ، دليل واضح على أنه من جنسية أو قومية مختلفة عن الأغلبية الساحقة من شعبنا . لأنه لو كان هو من الأكثرية الساحقة ، لكان دعي بـ « أفرام » فقط ، ولسمي يوحنا الذهبي الفم مثلاً بيوحنا اليوناني .
في النهاية نستطيع القول إن سورية جمعت في أرضها دائماً لذلك يلقب ايضا بالسوري…
أمماً كثيرة ومختلفة . ونحن سلالة واحدة من هذه الأمم التي هي الأمة الهلينيستية الرومية (البيزنطية) . ولسنا خلفاء الحضارة السريانية الأرامية ، ولا خلفاء الحضارة العربية ولا الحضارة الفارسية …
وهذا لا يعني بأن سريانياً أو فارسياً ، من حيث العرق ، لا يمكن أن يكون موجوداً في كنيستنا . إلا أن حضارته ليست الحضارة الغالبة أو الطاغية ، وثقافته ليست هي الثقافة الغالبة أو الطاغية .
– القديسون العرب
واشد ما يثير الاستغراب ان هؤلاء الذين ينقبون التاريخ حتى يجدوا قديساً أو شهيداً عربياً مسيحياً قبل الإسلام . وعندما يجدونه يقيمون الدنيا ولا يقعدونها ، ليؤكدوا أن كنيستنا الأنطاكية عربية قبل التعريب . وينسون أن هذا واحد فقط ، فيما هناك مئات
من القديسين اليونانيين في سورية الذين تفخر بهم كنيستنا .
وهم دليل واضح على أن الثقافة السائدة ، والأكثرية الشعبية في كنيستنا الأنطاكية المشرقية أكثرية رومية بلغة يونانية . وينسى هؤلاء أن هذا « العربي المسيحي » إضطهده العرب من بني قومه لأنه « إتخذ ديناً مخالفاً لتقاليد شعبه » .
وللقائلين بأن كنيستنا خليط من حيث هويتها نقول :
الكنيسة السريانية الأنطاكية ، أيضاً خليط من حيث العناصر
التي كونتها ( یونان ، سريان وعرب وأرمن ) والعقيدة هي التي وحدتهم . أما الثقافة الغالبة على النتاج الفكري والطقوس والفنون … هي الثقافة السريانية.ولغة الأكثرية الشعبية من مؤمنيها هي السريانية .
الكنيسة الرومية الأنطاكية ، أيضاً خليط من حيث العناصر
التي كونتها ( يونان ، سريان ، وعرب وأرمن ) والعقيدة هي التي وحدتهم . أما الثقافة الغالبة على النتاج الفكري والطقوس والفنون … هي الثقافة اليونانية . ولغة الأكثرية الشعبية من مؤمنيها في سورية كانت اليونانية .
الكنيسة الأرمنية أيضاً خليط من حيث العناصر التي كونتها
… وهلم وجرا

اذن يجب التفريق بين العرق والحضارة
فالحضارة أوسع وأشمل من العرق بكثير اذ قد تجمع من حضارة واحدة أعراقاً مختلفة. هذا وإن الدين جزء أساسي من التراث الحضاري المشترك . بل قل هو الجزء الأهم ، ذلك أن الكثير من العادات والتقاليد والذاكرة الجماعية وطريقة التفكير ، هذه العناصر التي تشكل الإحساس بالـ « نحن » ، هذه جميعها يكون الدين في أساسها . من هنا ، فإن هناك بعض العائلات من العرب الأقحاح أخذت حضارة الروم عندما اعتنقت الأرثوذكسية تماماً كما أن هناك عائلات يونانية عندما أسلمت دخلت في الحضارة العربية ، وآل
ميقاتي مثلاً خير دليل على ذلك في طرابلس .
فالإسلام السنة في سورية : حضارتهم حضارة عربية
وثقافتهم عربية ، رغم وجود عائلات أصلها غير عربي وغير
مسلم . إلا أنها عندما أصبحت مسلمة فقد دخلت في الحضارة
العربية .
والروم الأرثوذكس والكاثوليك في سورية ، حضارتهم حضارة رومية وثقافتهم يونانية، رغم وجود عائلات اصلها غير إغريقي . إلا أنها عندما اعتنقت الأرثوذكسية على الطريقة الرومية ، فقد دخلت في الحضارة الرومية ( اليونانية ) .
ويقول البعض إن كنيستنا عربية لأن معظم رقعتها أصبحت مسكونة بالعرب .
الجواب هو أن الأراضي التابعة لبطريركية القسطنطينية

أصبحت معظمها تركية وتتكلم اللغة التركية ، فهل هذا يعني أن كنيسة القسطنطينية كنيسة تركية ؟ أو حضارتها حضارة تركية ؟
طبعاً لا . فحتى لو تترك كل شعبها وكل أرضها ، فهي ستبقى يونانية الهوية ، لأن تراثها كله يوناني . وتاريخها يوناني ، ونتاجها الفكري والثقافي واللاهوتي والفني وطقوسها ، ولغتها الأصلية وأزياءها ورجالاتها العظام … كل ذلك يوناني .
ومن يقول إننا نحن أيضاً سريان ملكيون ، إنما يحط من قدرنا بجعلنا قوماً من السريان العملاء . فهل يعقل أن يكون عدد كبير كهذا من السريان كله عميل للملك الرومي ؟
الواقع أننا أروام في هذه الأرض ، وعندما قاتلنا إنما كنا نقاتل إلى جانب قومنا وبني ثقافتنا وجنسنا ومذهبنا وحضارتنا ولغتنا ، مدفوعين باكثر المشاعر القومية والوطنية
نبلاً .
من كتاب روم المشرق الهوية واللغة / بحث تاريخي موّثق
المحامي رودريك خوري

اترك تعليقاً