وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم (1) الثلاثة والجوهر الواحد)
هذا هو ايماننا المسيحي الاله الواحد
ليس الإيمان بالثالوث الأقدس عقيدة نظريّة أو فلسفيّة أو عقليّة مجرّدة، بل هو عقيدة قائمة على الكشف الإلهيّ الذي تمّ بتجسّد كلمة الله في التاريخ واكتمال سرّ التدبير الخلاصيّ بموت المسيح على الصليب وقيامته. لقد عرفت الكنيسة منذ نشأتها الإيمان بالثالوث الأقدس المؤسَّس على الكتاب المقدّس وتعاليم الرسل والجماعة الأولى. وإنْ لم تستعمل الكنيسة المصطلحات اللاهوتيّة السائدة اليوم مثل: الثالوث، الأقانيم، الجوهر، الطبيعة… إلاّ أنّ الكنيسة الفتيّة كانت ذات إيمان ثالوثيّ، فالأناجيل وكتاب أعمال الرسل ورسائل القدّيس بولس تضمّ تعابير وتسابيح ثالوثيّة كانت تُستخدم في العبادة الجماعيّة.

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)
وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)


عندما سلمنا ربنا صيغة الإيمان بالآب والابن والروح القدس(2)… لم يقرن هذه النعمة بعدد… فهو لم يقل باسم الأول والثاني والثالث…ولا أشار إلى واحد واثنين وثلاثة…بل منحنا نعمة معرفة الإيمان الذي يقودنا إلى الخلاص…حتى أننا نخلص بالإيمان وبمعرفتنا بأسماء الأقانيم المقدسة.
أما العدد فقد اخترعه العقل كوسيلة لحصر الكميات…أما الذين يجلبون الدمار على أنفسهم فيريدون استخدام طريقة ” العد ” ضد الإيمان…ومع أن الأشياء لا تتغير إذا حسبت عددياً كلٌ بعد الأخر فى تسلسل عددي…إلاَّ أن أولئك الذين يرون استخدام العدد في الكلام عن الطبيعة الإلهية يتجاوزون الإكرام اللائق بالبارقليط…ونحن نعلم عن كل أقنوم على حده.
وإن كان يجب علينا استخدام الأعداد…فإننا لا نسمح لأنفسنا بأن تحملنا قواعد الحساب إلى تعدد الآلهة في الوثنية .. نحن لا نجمع بالإضافة واحد زائد واحد وبذلك نتدرج من الوحدة إلى الكثرة… كما أننا لا نقول واحد .. اثنان .. ثلاثة .. ولا نقول أولاً وثانياً وثالثاً بل مكتوب ” أنا الله الأول وأنا الآخر” (إش44: 6)
ولم نسمع قط حتى هذا اليوم عن إلهٍ ثانٍ بل أننا نبعد الإله من الإله .. ونعترف بتمايز الأقانيم وفي نفس الوقت نتمسك بالوحدانية .. ولا نبدد اللاهوت بتجزئته إلى أقسام متعددة .. بل جوهر واحد غير مجزأ نراه في الله الآب والله الابن الوحيد .. ووحدة بلا انقسام لأن الابن في الآب .. والآب في الابن .. وهو ما ينفي وجود اختلاف بينهما .. بل يجعلهما جوهراً واحداً .. وبالتمايز هما الاثنان أقنوم .. وأقنوم وبالاشتراك في الطبيعة الإلهية الواحدة هما واحد .. كيف إذاً وهما واحد وواحد ليس اثنين؟
السبب هو: أننا نتحدث عن ملك واحد وعن صورته .. وهذا لا يعني وجود ملكين .. فلا السلطة ولا القدرة ولا المجد ينقسم .. بل السيادة والسلطة والحكمة هي واحدة.
وفي اللاهوت نفس الوضع لأن المجد الذي نقدمه لله يقدم إلى الواحد وليس إلى تعدد الآلهة .. لأن إكرام صورة الملك هو إكرام الملك. وفي حالة الملك والصور فإن الفرق بين الملك والصورة هو في الطبيعة .. إذ هي تُمَّثل الملك.
أما في حالة الآب والابن فالطبيعة واحدة. وفي الفنون يحاول الفنان أن يرسم شبيهاً متقناً .. أما في اللاهوت فالطبيعة الإلهية بسيطة غير مركبة فإن الوحدة بين الآب والابن هي وحدة قائمة على الشركة في الجوهر الإلهي بينما الوحدة بين الملك والصورة هي وحدة في الملامح فقط .. واحد هو الروح القدس الذي هو واحد مع الآب الواحد والكل هو الثالوث المبارك المسجود له.
وواضح بشكل كافٍ أن الروح القدس قائم في شركة الجوهر مع الآب والابن. لأنه لا يحسب ضمن الخليقة المتعددة بل نتكلم عنه كواحد لا مثيل له في الخليقة. وكما أن الآب واحد والابن واحد، كذلك الروح القدس واحد وهذا يجعله بعيداً تماماً عن الطبيعة المخلوقة. لأن الفكر السليم لا يسمح لنا بأن نضع الواحد الذي لا مثيل له والبسيط غير المركب مع الخليقة المركبة القائمة في كثرة من الأجساد. أما الروح القدس فهو متحد مع الآب والابن في وحدة لا مثيل لها.
وما ذكرناه سابقاً ليس هو المصدر الوحيد للبراهين على الشركة في الجوهر, بل لأن الروح القدس “هو من الله” (1كو1: 12)، ومعنى “من الله” ليس مثل الكلام عن الخليقة التي هي أيضاً من الله، بل المعنى الدقيق المتعارف عليه وهو أنه صار من الله، ليس بالولادة مثل الابن. وإنما مثل النفخة الصادرة من الفم. ولكن الفم هنا لا يعني مطلقاً ذلك العضو الجسد، ولا نفخة الفم التي تتبدد بمجرد خروجها من الفم، بل هو الفم على المستوى الإلهي الذي منه يصدر الروح القدس أقنوماً حياً متميزاً بطبيعة التقديس الفائقة. وهكذا يمكننا أن ندرك وحدته مع الآب والابن. بينما يظل كيانه الإلهي غير المدرك فوق القدرة على التعبير.
ويقال عن الروح القدس أنه روح المسيح لتأكيد علاقته الروحية بالابن كما قيل “من لم يكن فيه روح المسيح فهو ليس منه” (المسيح) (رو8: 9). فبالروح هو وحده الذي يمجد الرب حسبما قيل “هذا يمجدني” (يو16: 14).
ولكن ذلك التمجيد ليس مثل تمجيد الخليقة, بل يمجده لأنه “روح الحق” (يو14: 17). الذي يعلن الحق في ذاته بكل وضوح وكروح الخدمة يعلن لي عظمة المسيح الذي هو “قوة الله وحكمة الله” (1كو1: 24). ولأنه البارقليط (المعزي) يعلن في ذاته صلاح البارقليط (الابن) الذي أرسله ويظهر في كرامته وعظمة الذي منه انبثق (الآب).
ولكي ندرك أن الروح القدس ليس مثل الخليقة ولا منها، علينا أن نميز بين المجد الذاتي الذي يشع من ذات الله مثل إشعاع نور الشمس، والمجد الذي يعطى بحرية لمن يستحقه وهو مجد يضاف من الخارج. والمثل الواضح هو ما قيل أن “الابن يكرم أباه والعبد يكرم سيده” (ملاخي6:1). وإكرام العبد هو ما تقدمه الخليقة، أما الإكرام الآخر الذي يمكن أن يقال أنه إكرام المتساويين في الكرامة فهو ما يحققه الروح القدس. وكما قال ربنا “أنا مجدتك على الأرض العمل الذى أعطيتني قد أكملته” (يو17: 4).
يقال نفس الكلام عن الروح القدس “ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويعلنه لكم” (يو16: 14). وكما أن الابن يُمَجدْ من قِبل الآب كما قال “مجدتك وسوف أُمجدك أيضاً” (يو12: 28). وأيضاً يمجد الروح فالشركة في الجوهر التي له مع الآب والابن، وبشهادة الابن الوحيد عنه التي يقول فيها “كل خطية وتجديف يغفر للناس، أما التجديف على الروح فلن يغفر” (مت12: 31).
وعندما نستنير بالقوة التي فينا، ونحدق النظر في جمال صورة الله غير المنظور، ومن الصورة نبلغ إلى الجمال الفائق الذي للأصل وعندما يكون روح المعرفة حاضراً بلا انفصال فإنما في ذاته، لمن يحب رؤية الحقيقة وقوة معاينة الصورة، لا من الخارج بل يقودهم إلى معاينتها في ذاته (الروح القدس). وكما أنه لا أحد يعرف الآب إلا الابن (مت11: 27). وأيضاً لا يقول أحد أن يسوع هو الرب إلا “بالروح القدس” (1كو12: 3) ولم يقل بواسطة الروح القدس، بل يقول بالروح القدس، لأن الله روح والذين يسجدون له، فبالروح والحق يجب أن يسجدوا (يو4: 24). كما هو مكتوب، في نورك نعاين النور أي باستنارة الروح “النور الحقيقي الذي ينير لكل إنسان آتٍ إلى العالم” (مز36: 9) – (يو1: 9).
وهذا يوصلنا إلى أن الروح القدس هو الذي يعلن في ذاته مجد الابن الوحيد وأنه هو الذي يمنح للساجدين الحقيقيين المعرفة الحقيقية لله. إذن طريق معرفتنا بالله يبدأ بالروح الواحد من خلال الابن الواحد إلى الآب الواحد ولكن بعكس ذلك يصلنا الصلاح الإلهي وقداسة الله ومجد الملكوت من الآب بالابن الوحيد في الروح القدس. وفي كلا الاتجاهين يظهر الاعتراف بالأقانيم ولا ينتهك الإيمان الحق بالوحدانية، أما أولئك الذين يعتمدون على فلسفة الأعداد ويقولون أول وثان وثالث بقصد إظهار اختلاف الأقانيم. فعليهم أن يعرفوا أنهم يجلبون مبدأ تعدد الآلهة من ضلال الوثنية ويحاولون إدخاله في لاهوت المسيحيين النقي. وضلال الاعتماد على الأعداد ظاهر، لأنه يؤدي إلى الاعتراف بأكثر من إله ويصبح ثمة إله أول وثان وثالث.
أما نحن فيكفينا التسليم الذي سلمه إلينا الرب، وكل من يمزج بين هذا التسليم والمعرفة الغريبة فإنه ليس أقل جرماً في تعدى الشريعة من الوثنيين.
خلاصة القول:

وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)
وحدانية الثالوث (الإيمان بالأقانيم الثلاثة والجوهر الواحد)


1- معنى “أقنوم” ؟
الأقنوم هو الشخص مع الجوهر أو الطبيعة التي يحملها.
والأقنوم يعني التمايز فهو يعني الكينونة المتمايزة.
2- من هم الأقانيم الثلاثة ؟
الأقانيم الثلاثة هم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد :
1- الآب هو الله من حيث الجوهر .. وهو الأصل من حيث الأقنوم.
2- الابن هو الله من حيث الجوهر .. وهو المولود من حيث الأقنوم.
3- الروح القدس هو الله من حيث الجوهر .. وهو المُنبثقمن الاب والذي هو مع الاب والابن.
3- كيف أنّ الآب والابن والروح القدس واحد؟
النار يوجد بها لهب .. واللهب يخرج منه نور وحرارة. فاللهب يسمى نار .. والنور يسمى نار .. والحرارة تسمى نار. والدليل على ذلك من الممكن أن نقول إنّنا نوقد النار .. أو إننا نوقد اللّهب.
أحياناً نقول نحن نستنير بالنار أو نحن نستدفئ على الحرارة أو نحن نستدفئ على النار. فاللّهب والنور والحرارة الخارجة منه شئ واحد أي نار واحدة وليسوا ثلاثة نيران. ولكن اللهب غير النور غير الحرارة. ومع أن اللهب غير النور غير الحرارة ولكن اللهب إنّ لم يلد نوراً ويشعّ حرارة لا يكون ناراً على الإطلاق. فاللّهب بنوره وحرارته يكون ناراً حقيقيّة.

وهكذا إذا تأمّلنا فى الثالوث القدوس نفهم أنّ الآب هو الله .. والابن هو الله .. والروح القدس هـو الله. مثل اللّهب نار .. والنور نار .. والحرارة نار .. فالآب هو الله الآب .. والابن هو الله الابن .. والروح القدس هو الله الروح القدس .. ويمكن أن يُقال الله فقط بدون الآب .. كما نقول أن اللهب هو نار فالتسمية ليست مشكلة ولكن إذا لم يوجد الابن لا يوجد الله .. لأنه لا يوجد آبٌ بغير ابن .. ولا توجد نار بغير حرارة .. حتى لو كان هناك لهب.
لأن اللهب بدون حرارة ليس له قيمة .. وكذلك أيضاً العقل بدون فكر ليس له قيمة .. فالمولّد يلد كهرباء .. والنور يلد شعاع .. والعقل يلد فكر .. والزهور تلد رائحة .. والنبات يلد براعم .. ولا يوجد شئ في الوجود كله لا يلد غير الحجر والجَماد الأصم.
فالله أعلن لنا أنّه إله واحد هو آب وابن وروح قدس.
فالآب والإبن والروح القدس .. هم الله واحد في ثلاثة أقانيم وليس ثلاثة آلهBeta

Beta feature

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *