حان ملء الزمان بميلاد الرب يسوع

”ولما حل ملء الزمان…

”ولما حل ملء الزمان…

” ولما حل ملء الزمان…”

تجسد كلمة الله، هو أهم حدث في تاريخ الإنسانية لا يوجد أي حدث آخر جدد الجنس البشري وطبائعه أبداً…
ميلاد يسوع المسيح، كلمة الله المتجسد، هو إعلان الله ذاته للإنسان وهو الدليل الأعظم على محبة الله للإنسان…

بالرغم من أن الإنسان تسلم هبات عديدة من الله في بداية الخليقة إلا أنه اثبت عدم استحقاته لمحبة الله، ولم يُطع اوامره وارشاداته فكانت النتيجة هي كارثة سقوطه في الخطيئة، وبهذا سمح للموت أن يدخل إلى العالم.
منذ تلك اللحظة، أصبح الجنس البشري تحت ظلال الموت، فقط حين يؤمن الإنسان بأن يسوع المسيح له المجد هو كلمة الله المتجسد الذي جاء إلى العالم لخلاص البشر، هنا يمكنه المشاركة في الطبيعة الإلهية لله ويصبح ابناً له من خلال النعمة والتبني.
قال بولس الرسول
“فلما حان ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.” (غلاطية 4: 4) جاء يسوع المسيح على أرضنا التي تنبت شوكاً وحسكاً، آخذاً جسداً بشرياً الذي هو تحت ظلال الموت…
منذ الألفين ونيف، جاء ليصل الأرض بالسماء، جاء ليعلمنا مشيئة الله بخلاصنا نحن آدم المحبوب وذريته، جاء ليفتدينا وينشر السلام على الأرض

” المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”

هذا ما قالته الملائكة صعوداً ونزولاً على السماء مبشرة بهذا الحدث المعجز الذي ساق مجوس المشرق الوثنيين من أقصى المشرق بشكل معجز، وبما يفوق الزمن ليكونوا في ليلة الاعجاز الالهي هذه شهوداً على أهم حدث غيَّر تاريخ الإنسانية، ومجدداً الجنس البشري برمته ومجددا طبائعه. وقد شاهدوا كلمة الله المتجسد طفلا، وبالأصح رأوا بالمحسوس والمشاهد، الله ذاته وهو غير المحسوس، مُعلناً وقدموا له هداياهم ذهباً وبخوراً ومراً.

شاهد المجوس هذا المجيء الأول، والأخير، للكلمة، وشاهدواإعلان الله لذاته في مذود حقير طفلاً سوياً جميل الطلة نوراني المحيا، لكنهم عرفوا بما يفوق المحسوس انه ملك الأكوان والأزمان، فقدموا له الذهب كأثمن ما يقدم للملوك. عرفوه بأنه آتٍ إلى العالم الفاني ليحييه من خلال رفع الجبلة البشرية إلى أرقى درجات السمو، وهو ما عبر عنه بولس المصطفى

“فأنكم قدستموه وتعلمتم منه على حسب الحقيقة أن تنبذوا عنكم تصرفكم السابق الإنسان العتيق الفاسد وتلبسوا الإنسان الجديد الذي خُلق على مثال الله في البروقداسة الحق.” (غلاطية 4: 21- 24)

إن مجيء السيد كان إهلاكاً لأعمال الشيطان وخديعته، رغم أن أفعال الانسان الهمجية مستمرة، وتعني أن الشيطان لايزال يعمل… وحتى يستطيع السيد إهلاك أعمال الشيطان، كان لابد له أن يكون الكاهن الأعظم لذا قدم المجوس له البخور، وكانوا في ماوراء المحسوس، قد أدركوا أنه الكاهن الأعظم الذي يفوق كهنتهم عظمة كما ورد في كتبهم لذا حجوا اليه يوم ميلاده، وقد استقرأوا عظمة فدائه كفارة لخطايا البشر بذبيحة دموية فقدموا له المر تعبيراً محسوساً عن اللا محسوس المستقبلي لآلامه وذبيحته بذبحه على الصليب.

سر تجسد الكلمة

“انساركوسيس” ενσάρκωση كلمة التجسد باليونانية هي
“ابيفانيه”εοφάνεια والظهور الإلهي هي
هاتان الكلمتان المستخدمتان في كنيستنا الأرثوذكسية تشيران إلى تجسد الاقنوم الثاني للثالوث الأقدس، “ابن الله وكلمته ليصبح ابن الله انساناً متسلماً كل الطبيعة الالهية.” (يوحنا1: 14)
منذ تلك اللحظة اتحدت الطبيعة الإلهية لابن الله واقعياً مع الطبيعة البشرية. هذا العمل الذي يفوق المدارك العقلية هو عمل الأقانيم الثلاثة للإله الواحد الحقيقي وهو الثالوث المقدس.
في التجسد، قَبِلَ الآب أن يرسل ابنه إلى العالم، نزل الابن لأسفل وتجسد، وبارك الروح القدس دائمة البتولية والدة الإله مريم مانحاً إياها القوة كي تحبل في رحمها المقدس ما يفوق أي حبل طبيعي، ولكي تعطي ميلاداً حقيقياً للإبن الوحيد الله المولود من الآب قبل كل الدهور، هي ولدته ولادة ثانية، وكانت ولادته الأولى قبل الأزل من ابيه “الكائن”، وصارت ولادته الثانية من امه “بغير زرع، وبما يفوق الطبيعة البشرية”، في ولادته الثانية من امه أُعطيَ لنا بشراً بدون أي تدخل من بشر…
في المسيح المتجسد اتحدت كلمة الله، بما يفوق المحسوس، مع الطبيعة البشرية، فالعذراء منحته وهو في احشائها من دمائنا البشرية، ولكن طبيعته البشرية لم تمنعها الطبيعة الإلهية عن الاعتلان، وظلت كلتاهما (الإلهية والبشرية) بدون تغيير تحتفظ كلٌ منها بخصائصها فيسوع كان كامل الطبيعتين الإلهية والبشرية وكامل المشيئثين الإلهية والبشرية.
التجسد في يسوع المولود في مذود كان اتحاداً بدون اختلاط فيه او تشوش، وبدون انفصال للطبيعة البشرية مع الطبيعة الإلهية في شخص واحد هو ابن الله.

لذا يقول الرب يسوع “أنا والآب واحد” معترفاً ببنوته لأبيه…ونقول في الأنديفونة
“خلصنا يا ابن الله”
عند القديس يوحنا الدمشقي: “يوجد نور واحد وفعل واحد، بسيط غير منفصل” والابن لم يكن لديه فعل مختلف عن الآب… لأنه في الثالوث المقدس يوجد جوهر واحد، محبة واحدة، قوة واحدة، مشيئة واحدة، طاقة واحدة، هو ليس اقنوم من ثلاثة أقانيم منفردة مشابه الواحد للآخر هذه الأقانيم الثلاثة التي في الله واحد شاركت في خطة خلاص الإنسان من خلال تجسد الأقنوم الثاني ابن الله، وبه أُعلن ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح، ابناً لله… وأنه أُرسل إلى العالم بواسطة الآب…”
(يوحنا4: 34). وهو ما عبر عنه الرسول بولس باكتمال الزمان وفيه بواسطة ابن الله الوحيد” لننال التبني” “فلما حان ملء الزمان ارسل الله ابنه مولوداً من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني.” (غلاطية 4: 4)
لقد لاحظ يوحنا الحبيب ذلك بقوله لنا:
“بهذا أظهرت محبة الله فينا أن الله قد أرسل
ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به.”

المجوس في بابل والمشرق البعيدين جغرافيا عرفوا، وكانوا مترقبين، بوقوع هذا الحدث المعجز بولادة النجم المضيء، كما تقول كتبهم وفلسفاتهم الدينية، كيف تم ذلك؟
هل تم عبر توارد الخواطر البشرية؟ أو كما يقول البعض
“أن الأديان تستلهم من بعضها”؟؟؟
المهم أن ما عرفه حكماء المشرق بالماورائية عاشوه عياناً، ورأوه بأم العين، لقد شاهدوا
طفلاً صغيراً منيراً كالبدر مقمطاً بأقمطة بالية في مذود تُدفئه بهائمُ في ليلة قطبية…!
شاهدواأمه القروية الجميلة بلباسها الشعبي البسيط وشيخاً طاعناً في السن حارساً للطفل الإلهي، وحارساً لبتولية أمه يقفان أمامه باحترام وورع، وادركوا انه هو المقصود الذي تحدثت عنه كتبهم فترقبوه ازمنة طويلة وغذوا السير لأجله من ديارهم البعيدة، بالرغم من الفقر الشديد المحيط من المغارة الى المذود الى طفل رث الثياب وامه ويوسف، ياله من سر عجيب لا يوصف…
ولكنهم عرفوه، فهم من علماء الفلك والفراسة والتنجيم…عرفوه من الفرح الكامل المحيط في تلك الليلة الشديدة البرودة، رأوا تقاطر الرعيان وأغنامهم إلى المغارة للتبرك والتقديس كما الى حج، رأوا مالم تره عيون بشرية رأوا جنود السماء ينزلون منها الى الأرض ويصعدون اليها، والكورة كلها تتشح بالضياء لمجد الآتي فمجدوه مقتدين بجنوده…” المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة”

أيها الانسان

لم تعد مسكيناً أنت، وتندب حظك على ما أخطأه أبواك آدم وحواء فنالت البشرية بخطيئتهما، ونلت أنت العقاب، لأن ابن الإنسان اتى ليفتديك في موسم فصحه الشتوي، وليعبر بك وادي الموت…
في ميلاده الذي تم في ملء الزمان وفي نهاية الأيام معيداً اياك الى الحضن الرباني.
في ميلاد ابن البشر العجائبي، ثبّت الطفل المعجز الفرح، فأحيا موات الجنس البشري وكان ميلاده الثاني هذا من أم لم تعرف رجلاً، أداة تثبيت كافة ولادات الجنس البشري المائتة منذ الطرد خارج الفردوس…
لقد ولد المواليد كافة عبر كل الزمان على رجاء وأمل، حتى ولد الرجاء الذي لا يموت ابداً.
لذا قال لنا الملاك المبشر:
“ها أنا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.” (لو2: 10- 11)وهو بذلك لم يستثن أي من المواليد البشريين…
انها أول واخر مرة في تاريخ البشرية يبشر فيها الملاك بميلاد مخلص، وهي أول وآخر مرة يقال لنا فيها:

(“ولد لكم”، وفي مكان آخر “نوراً للأمم ومجداً”. هو حدث لم ولن يتكرر)
لأن الفداء متفرد في فرادته…
وكأن البشرية كلها كانت أماً عاقراً، او بأقصى معنى أن البشرية كانت مصابة في كل أولادها الذين تلدهم فإنهم يموتون ولا يعيشون، أو قل كانوا يولدون ليموتوا سريعاً، أي أن البشرية كانت تلد أمواتاً!!! أو تلد الموت ذاته عنصر اللعنة الأولى .”بالأوجاع تحبلين وتلدين البنين”
وقتها كان الفرح بميلاد كل انسان، فرحاً عابراً كاذباً، يكذبه نواح الموت وسواده لاحقاً… إلى أن جاء اليوم السعيد الذي شهد له التاريخ انه حقاً يوماً مشهوداً من أيام العمر، يوم “حل ملء الزمان …” ولد لنا الرجاء ميلاداً عجائبياً حقاً اشتركت فيه السماء والأرض معاً. ولد وتجسد من الروح القدس، ومن مريم العذراء وتانس.”
فحقاً كان الملاك يبشر بالفرح العظيم، فرح لن يلغيه الحزن على الموت من بعد، بل ستثبته القيامة والحياة الأبدية، فلم يعد لمجيء المسيح حزن، بل صار الموت مع المسيح وفي المسيح رجاء…
لذا ونحن مع شعاع النور القادم من مغارة بيت لحم نتذكر شهداءها وقتئذ اطفالها الأربعة عشر الفاً وكانوا شهداء “ملء الزمان” الذي استمر ليشهد استشهاد أطفال فلسطين اليوم، وفي كل يوم بيد صالبي الرب، وليشهد في العموم استشهاد كل شهيد يسقط في مشرقنا المتقدس بشمس العدل عامة وفي الخصوص استشهاد ابناءسورية الحبيبة والعراق ولبنان وفلسطين ومصر وليبيا واليمن بغدر من يدعون الاحتفال بعيد مولد رب السلام، ومن التكفيريين الذين يكرهون هذا الاحتفال والسلام وحتى ذواتهم… فقد تلاقت رغباتهم وامعنوا في ذبح المشرق أرض ولادة رب السلام يسوع المولود الالهي ووطنه الأرضي سورية الواحدة…

نقول للشهداء الأطهار
صار الموت مع المسيح وفي مشرقه وفي سورية وطنه… صار فرحاً، فرحاً باستشهادهم مع غصات ودموع بشرية على كل شهيد في المسيح سقط عبر تاريخنا المسيحي المليء بالدماء وفي وطننا سورية المعمدة بالدماء و الصامدة بالرجاء في آنٍ معاً… لأن بعد الصلب يأتي الموت، وبعده تكون القيامة والحياة التي لا تفنى…

عندما نعيد لميلاد ابن الله الكلمة المتجسد فنحن نعيد للشهداء لأنه يوم ميلادهم العظيم هذا.
عندها يحل ملء الزمان من جديد…

 


Posted

in

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *