المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

توطئة

لايخفى على احد من المتابعين لتاريخ وحاضر الكرسي الانطاكي المقدس واستشراف مستقبله، لابد له من أن يدرك ان وجود هذا الكرسي الرسولي وثباته بل وارتقاءه في قفزات التوثب في كل عصر، بالرغم من مصيره المتلازم مع منطقتنا المشرقية مع عواصف التجارب والمحن. ان الروح الالهي هو الذي في وسط الكنيسة عامة، وهو المعزي الحق الساكن في هذا الكرسي الذي يرعاه ويسدد خطواته وهو سر المسيح له المجد المؤسس والكائن في وسطها…

فكما كان التأسيس لهذا الكرسي الباعث بشعاع عنصرته من انطاكية وعبر سائر المشرق بيد زعيمي الرسل بطرس وبولس الهامتين، كان الاستمرار من خلال اعلام كانوا اشباه قديسين وأشباه ملائكة كانوا يمشون على الارض بيننا دافعهم اكمال سر المسيح الذي تجسد لأجلنا وقد اختارهم الروح لاكمال هذا السر عبر قيادته وعطائه الذي لم ينضب في التشديد على التقليد النقي والحفاظ على الارثوذكسية الحقة، فكان الألق الأنطاكي بالرغم من فداحة الخطوب والمظالم والانشقاقات التي ضربته خلال الالفين المنصرمتين من عمره ولكنه كان الاول في التأسيس وبقي الاول في استمرار التألق والعطاء وخاصة في تصويب الاخطاء وفي انتاج الشعر والموسيقى والأهم هو في ايجاد قامات كانت خليفة للرسولين المؤسسين الهامتين، هذه القامات التي لعبت هذا الدور القيادي والرائد في اللاهوت والفكر والفن…

الزيارة الاخيرة لغبطة ابينا البطريرك يوحنا الى اللاذقية وهو والمطران يوحنا في قداس مشترك
الزيارة الاخيرة لغبطة ابينا البطريرك يوحنا الى اللاذقية وهو والمطران يوحنا في قداس مشترك

عديدون وأكثر من ان يطالهم العد والحصر وتاريخنا حافل بهم، هم العظماء الرواد الذين اوجدهم الكرسي الانطاكي لخدمته وبنيانه باستمراروهم من كل ركن من ارجائه، ولكن للاذقية المتوسط هذه الغادة البحرية المعطاء المتكئة على خضرة جبالها والناظرة لا بل والسابحة في المياه الزرقاء كان النصيب الأكبر عبر ثلة من رجالاتها الأغيار الذين حركهم الروح الالهي كالمؤرخ الياس صالح وكمؤسسي حركة الشبيبة الارثوذكسية امثال الارشمندريت الياس مرقس والاستاذ جبرائيل سعادة والشماس اسبيرو جبور وعلمنا المتروبوليت يوحنا منصور وتلاميذه الحاليين…وغيرهم ممن لم تسعفنا الذاكرة في جمعهم…

علمنا مثلث الرحمات يوحنا من هذه القامات التي لن تنضب من ارض انطاكية العظمى وابرشية اللاذقية فكان هذا القائد الرمز المعاصر للنهضة الانطاكية الحديثة والمثال اللاذقي الصالح …

برأينا الشخصي والمتواضع الذي بنيناه من العمل المستمرعلى تكشيف وثائقنا البطريركية عامة ووثائق ابرشية اللاذقية خصيصاً وبالأخص منها التي تعود الى زمن مطرانها الرائد ملاتيوس الدوماني( البطريرك) وجدنا ان المؤسس الأساس لما قامت به اللاذقية من تميز روحي، كان اولاً وأساساً بفضل مطرانها الرمز ملاتيوس الدوماني الدمشقي 1865-1898 فمن يعمل على تراث اللاذقية المكتوب في هذه الوثائق سواء كانت رسائل او مخطوطات او سجلات يدرك هذه الحقيقة ويدرك دوره كبناء معمار لأبرشية فقيرة ضربتها الزلازل وشردت شعبها ودمرت بيوته وكنائسه واراضيه الزراعية عام 1870 فكان ملاتيوس مداوياً لجروحات رعاياه المنكوبة،وكان بناءً للنفوس والاجساد فجعلها كنائس حية وهدى كثيرين للايمان الارثوذكسي، وكان معماراً للحجر نشر الكنائس والمدارس في اقصى واقسى الريف الجبلي…خلال 33 سنة وكانت الجمعية الامبراطورية الفلسطينية الروسية الارثوذكسية تنشر المدارس في كل الابرشيات الا في اللاذقية التي لم تكن على جدول اعمالها فقام هو ببنائها، واوجد الجمعيات الخيرية والتعليم الديني والترتيل وكان أول من اوفد من مطارنة الابرشيات الى اكاديمية خالكي اللاهوتية من الشمامسة كمسرة وجبارة وعلى نفقته الشخصية وقد زرع هذه الابرشية وسقى الزرع وحفز ابناءها فكانوا وكان خلفاؤهم ممن ذكرنا. حتى انه لم يرضخ لتلميذه الشماس جراسيموس مسرة اللاذقي ليقود المطارنة الوطنيين بعد وفاة البطريرك ايروثيوس ويكون هو البطريرك بدعم مكلق من المطارنة الوطنيين وشماسه جراسيموس والشماس روفائيل هواويني والسيد ديمتري شحادة الصباغ الدمشقي رفيقه بكل شيء واعتذر ان امامه شعب الابرشية مشرد وجائع ومنكوب بالزلازل وهم همه وهدفه قبل السدة البطريركية الانطاكية…

ولذلك ولاقتداره تم الاجماع عليه كأول بطريرك وطني ليبني كرسي انطاكية المتشظي خلال قرابة قرنين مؤلمين من تاريخه رزح فيها تحت رئاسات غريبة عنه لم تهتم يوماً بنهضته الروحية والعلمية بل كانت نهباً للذئاب بثياب الحملان… فكان المنقذ بطريركاً مطران اللاذقية ملاتيوس الدوماني…

نتذكر بالعرفان ايضاً مطرانها ارسانيوس حداد الذي خلف الدوماني فكان الخلف الصالح للسلف الصالح…

ولابد لنا من الاعتراف بدور مطرانها المعلم اغناطيوس هزيم ابن بلدة محردة بريف حماة الذي خدمها خلال 13سنة زارعاً بدوره من عطائه العلمي والروحي والموسيقي… فأصلح ما اعوج وتابع البناء مع وكيله الارشمندريت يوحنا منصورقبل ان يتسلم علمنا رعايتها عام 1979 عندما تم اختيارمطرانها هزيم بطريركاً.

ان علمنا مثلث الرحمات المتروبوليت يوحنا هو استمرار لمن سبقه من مطارنة اللاذقية العاشقين لانطاكية وقد استمات من اجل بناء الاديرة، وبناء الشبيبة الارثوذكسية وخدمة الرعية على الارض، كما في الرهبنة التي اثمرت رهباناً تعملقوا واكليروساً تميز في خدمة انطاكية العظمى في كل ابرشياتها المتمثل اساساً وعلى سبيل المثال بغبطة ابينا البطريرك يوحنا وشقيقه المطران بولس مطران حلب والاسكندرونة المظلوم والمغيب، والمطران سابا مطران بصرى حوران وجبل العرب، والمطران باسيليوس مطران عكار…والمطران باسيليوس مطران اوستراليا والمطران اثناسيوس خليفته في كرسي اللاذقية… واساقفة ابرشية عكار…وكل منهم أفرع من مدرسته طرابين وزهوراً يانعة من اساقفة، وكهنة ورهبان يعملون بصمت.

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها
المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

السيرة الذاتية للمتروبوليت يوحنا منصور

من مواليد بلدة المزيرعة في اللاذقية العام 1927

في 28 آب 1959 رُسم راهباً في دير القديس جاورجيوس الحرف على يد متروبوليت جبل لبنان ايليا كرم.

في 19 ايار 1962 رسمه المطران الياس (قربان) مطران ابرشية طرابلس وتوابعها  شماساً، وعهد اليه برئاسة دير سيدة بكفتين.

في العام 1966عينه البطريرك ثيوذوسيوس السادس معتمداً بطريركياً في ابرشية اللاذقية التي شغرت بوفاة مطرانها جبرائيل دميان معاونا لمطرانها المتروبوليت اغناطيوس هزيم الذي كان في دير البلمند وظل فيها حتى العام 1973.

في العام 1973 عينه البطريرك الياس الرابع رئيساً على دير سيدة البلمند البطريركي.

مجاز باللاهوت من معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند العام 1978.

في 21 تشرين الثاني 1979 وفي عهد البطريرك اغناطيوس الرابع انتخبه المجمع الانطاكي المقدس مطراناً لأبرشية اللاذقية خلفاً لمطرانها ( البطريرك) اعناطيوس (هزيم) انتخب مطرانا لأبرشية اللاذقية
بتاريخ 25 تشرين الثاني 1979 تمّت رسامته مطرانا على الأبرشية في الكاتدرائية المريمية بدمشق بيد معلمه البطريرك اغناطيوس الرابع بحضور مطارنة جبل لبنان جورج خضر وطرابلس الياس قربان وحمص الكسي عبد الكريم وحلب الياس يوسف…
وبتاريخ 30 تشرين الثاني 1979 دخل أبرشيته باحتفال جماهيري غير مسبوق، واستلم عصا رعايتها في كاتدرائية القديس جاورجيوس.

حفل عهده بالعطاء والعمران بكل شيء
اولاً: الأديرة

دير رقاد السيدة العذراء 1984 قرية بلمانا بانياس

دير رقاد السيدة العذراء 1993 أسكران، كسب للمخيمات

دير رقاد السيدة 1995 صلنفة

دير ميلاد السيدة ساعين

دير سيدة الجوزية طريق كسب

مقام مار تقلا في المدينة حي مار تقلا

ثانياً:المؤسسات والجمعيات الخيرية

جمعية التعاضد عام 2005
جمعية دفن الموتى

الجمعية الخيرية

جمعية السامرية

جمعية أصدقاء الفقير

مدارس الأحد الأرثوذكسية

الثانوية الوطنية الخاصة

فندق النور

الجمعية القروية

تهدف هذه الجمعيات والمؤسسات لمساعدة الفقراء والمرضى والتلاميذ والمحتاجين والعائلات المستورة في سجلات وقيود بإشراف لجان خاصة وبدون ضجيج.

مطارنة اللاذقية في العصر الحديث

نثبت هنا تسلسل مطارنة ابرشية اللاذقية منذ حوالي قرن ونصف:

1- المطران ملاتيوس الدوماني 1865 لغاية 1898 (33 عاما ) وبعد 1898أصبح بطريركا ويعد هو زارع غرس النهضة الروحية  الاساس في هذه الابرشية.

2- المطران أرسانيوس حداد 1900- لغاية 1933 ( 33 عاماً )

3- المطران تريفن غريب 1933 ولغاية 1959 ( 26 عاما)(عاصره المطران أبيفانيوس زائد وأحدث الكنيسة المستقلّة)

4- المطران جبرائيل دميان 1959 ولغاية 1966 ( 7 سنوات)

5- المطران اغناطيوس هزيم 1966 – 1979 ( 13 عاما )

المطران يوحنا منصور 1979 لغاية 4-4-2018 ( 39 عاما)ازدهرت فيها النهضة الروحية في أبرشية اللاذقية.

في هذا الشأن وتحت عنوان:

” كنيسة اللاذقية في عهد المطران يوحنا منصورمدرسة رهبانية لاهوتية”

سبق لرفيق دربه في الرهبنة وتأسيس حركة الشبيبة الارثوذكسية الشماس اللاذقي المعلم واللاهوتي الفذ اسبيرو جبور (رحمه الله) ان كتب هذا المقال والذي نشره موقع السراج الأرثوذكسي حيث قال فيه:

“في 30/11/1979 وصل المطران يوحنا اللأذقية وحلّ في المطرانية منذ ذلك التاريخ حتى الآن يوحنا منصور وتلاميذه مدرسة رهبانية لاهوتية أعطتنا دكاترة في اللاهوت والمؤلفين والمترجمين والرهبان والراهبات ومولانا البطريرك الجليل يوحنا يازجي وحبيبنا المطران سابا إسبر الذي ترجماته ومطبعاته صارت مكتبة وسيدنا بولس يازجي أعاده الله لنا بسلامٍ وأمانٍ النشيط البارع وسيدنا الحبيب باسيليوس منصور النشيط العامل أعطتنا أساقفة وعدداً من الأرشمندريتية والكهنة والرهبان والراهبات ودير بلمانا ودير الجوزية الذي يبنى الآن وصارت هذه المدرسة تستحق تاريخاً يحتاجُ إلى قلم المطرانين الجليلين سابا وباسيلوس ليؤرخوا هذه الحقبة الممتلئة بنعمة الروح القدس الكرسي الأنطاكي يحتاجُ إلى عشرات المتبتلين ذوي الكفاءات العالية واللأذقية محدودة القدرات بشرياً ومالياً ومع ذلك أعطت هذه الثروة الرهبانية واللاهوتية وهي ترتبط بالدرجة الأولى باللغة اليونانية وحملة الدكتورات متخرجون من بلاد اليونان ينطقون باليونانية واليونانية هي لغة اللاهوت الأرثوذكسي بخاصة والمسيحي بعامة تحميل اللاذقية أعباء الكرسي الأنطاكي وحدها يلفت النظر يجب أن تساهم جميع الأبرشيات بتحمل هذه الأعباء وتقديم مئات المتبتلين لتكون الإدارة والحياة الكرسي الأنطاكي ممتلئتين من الروح القدس اليوم يعاني الكرسي الأنطاكي من نقص عدد المتبتلين فصارت الشقحذة تحتل مكانةً ما بالكرسي الأنطاكي بدلاً من إلتزام العمل الروحي الصامد الفعال النشيّط القوي ، في العام 2008 زار صاحب السيادة بنيدكتوس مطران عمان اللاذقية حاملاً ذخائر القديس نيكتاريوس وهبت اللاذقية  بخضها وخضيضها وكبيرها وصغيرها لتبارك من هذه الذخائر فأصيب سيادته بدهشةٍ كبيرة لم أرى بحياتي جمعاً كهذا الجمع وخلع الأنكلبيون من رقبته ووضعه في رقبة المطران يوحنا فلماذا لا تغار الأبرشيات الأخرى وتلتف حول مطارنتها للصوم والصلاة والتبرك والنسك والزهد والترهب ودراسة اللاهوت دراسة عميقة الليسانس باللاهوت لا تصنع لاهوتياً والدكتوراة في اللاهوت دقيقاً مئة بالمئة المسألة تحتاج إلى دكتورات وعمل دؤوب متواصل بالمكتبات وبدون اللغة اليونانية كل شيء سطحي بنسبة كبيرة لأن اللاهوت الارثوذكسي يوناني السمات والألفاظ اللاهوتية يونانية يجب أن يفهم المرء مدلول هذه الألفاظ والمصطلحات في اللغة اليونانية بدون اللغة اليونانية يشقشق المرء شقشقةً اللاهوتي الأصيل يقرأ العهد الجديد باللغة اليونانية يستفيد من الترجمات ولكن تبقى اللغة اليونانية هي الأصل في مطالعاته يستطيع أن يقارن بين الترجمات والأصل اليوناني ويستفيد من المترجمين لأنهم بذلوا جهداً كبيراً ليترجموا الأصل اليوناني والمصطلحات نفسها يونانية إن لم نفهم معنى لفظة أقنوم وشخص باليونانية نبقى جاهلين أصول الاشتقاق الألفاظ اللاهوتية وتاريخ هذه الألفاظ ولذلك أمتدح سيدنا الحبيب المطران أفرام كرياكوس شرحِ هذه الألفاظ اليونانية في كتابِ سرّ التدبير الإلَهي وقال ما قال فيه مع العلم أنه صاحب الفضل بالإيحاء إلي بتأليفه فاللاهوت الأرثوذكسي صنعة إستثنائية تحتاج بالدرجة الأولى إلى اللغة اليونانية والغوص في معاني العهد الجديد يحتاج إلى مراجعة الأصل اليوناني الذي يعطينا كماً كبيراً من المعاني وتميزت مدرسة اللاذقية باعتماد اللغة اليونانية أساساً للدراسة والصلوات والترتيل ، اللاهوت  سعّة باسيلوس وغريغوريوس ويوحنا الفمّ الذهب ومكسيموس المعترّف ويوحنا الدمشقي غريغوريوس بالاماس  وسواهم بدون إستيعاب تعاليمهم يبقى الإنسان سطحيٌ في اللاهوت وبدون القديس يوحنا الدمشقي يبقى الإنسان هامشياً في اللاهوت ، اللاهوت الأرثوذكسي مرتبط بالبالاماس ويوحنا الدمشقي ومصادرهما ويوحنا الدمشقي متفوقٌ جداً في الصياغة اللاهوتية بالاماس أعتمد عليه ولكن يوحنا الدمشقي متفوق على الجميع وإن كان بلاماس أوسع من يوحنا بكثير ومكسيموس المعترف قلعة لاهوتية وإن كان فهمه عسيراً منذ أيام كانت أختاً تقرأ عليّ كتابي الاعتراف والتحليل النفسي فاصطدمت بجملة من مكسيموس المعترف فشرحتها لها فإذ بالجملة تدل على نوعية ذهنية مكسيموس المعترف جملة واحدة فقط دلت على ذهنيته والأخت ذكية جداً ولكنها لم تستطع فهما إلا لما شرحتها لها ،  الدخول إلى مكسيموس المعترف يحتاج إلى جهود مضنية جداً جداً شخصيته متعددة الواجهات وجمله مسبوقة بقوةٍ وعسرٍ كبير منذ سنوات قليلة قرأت عن تبدل في رأي الباحثين الألمان في لاهوتي من بلادنا مشهور اسمه ديونيسيوس الاريوباغي طبعاً علمت فوراً مصدر تغيريهم فإذا به محاضرة أو مقال للمرحوم فلاديمير روسكي في العام 1957 في ألمانيا  نشرت حديثاً في مجلة كونتاك فبقي باحثون في ألمانيا عشرات السنين ولم يفهموا ديونيسيوس المذكور ان على ضو هذا المقال اوالمحاضرة للمرحوم فلاديمير روسكي و ديونيسيوس هو أحد مصادر مكسيموس وبالاماس فلذلك فمدرسة اللاذقية أحسنت جداً في توجيه طلابها إلى بلاد اليونان لدراسة اللغة اليونانية وإن كنت لا أكتفي بدكتوراة واحدة فالدكتوراة لا تصنع لاهوتياً عميقاً بل التطلع من آباء الكنيسة هو الذي يصنع اللاهوتي مع إحترامي للدكتوراة أعتبرها ورقة إن لم يرافقها التطلع من آباء الكنيسة لا من  أب واحد فقط بل من الآباء ، فالحصول على الدكتوراة في  باسيلوس وغريغوريوس ويوحنا الفمّ الذهب ومكسيموس المعترّف ويوحنا الدمشقي أو بالاماس لا يعني أن الإنسان صار لاهوتياً عبقرياً يجب أن يتطلع الإنسان على مجموعة التراث الأرثوذكسي ولكن دراسة اللغة اليونانية هي المفتاح للإطلاع على تراثنا اليوناني .

أسألُ الله أن يحفظ اللاذقية أمينةً في هذا التراث اللاهوتي الرهباني وأسأل الله أن يجعل المطران يوحنا منصور ممتلئ من الروح القدس ومن كلمات التسبيح والشكر لله الذي أحاطه بكوكبةٍ من الأبناء الأوفياء المخلصين

قد يستغرب المرء هذا النجاح الباهر في اللاذقية خلال 33 سنة الحقيقة هي أن الأستعداد جرى قبل ذلك لكن الفضل الكبير يعودُ إلى نساء اللاذقية لأنهن يوجهن أولادهن نحو التعليم الديني ونحو الكنيسة ولذلك عدد الأطفال في مدارس الأحد كبير جداً وكثيراً ما نرى الأمهات أنفسهن يقدن الأطفال إلى الكنائس لحضور دروس مدارس الأحد فالمرأة تلعب دور رئيسي جداً في تنشئة الأطفال تنشئة دينية مؤمنة وإن لم تقم الأم بهذا الواجب نشأ المرء بلا دين ، والملحدون  يخرجون بنسبة كبيرة من بيوت فلتانة أما البيوت المحافظة فتخرج أطفالاً ورجالاً متدينين   جدة باسيلوس الكبير صاحبة الفضل الكبير بإنشاء عائلة من القديسين زوجت ابنها من فتاة جيدة جداً فولدت قديسين وكانت ابنتها ماكرينا رئيسة دير فلما مات أبوها أتت أمها إليها وصارت راهبة عندها وكل الفضل يعود إلى الجدة ماكرينا تلميذة القديس غريغوريوس العجائبي في مدينتهم قيصرية أم غريغوريوس اللاهوتي صاحبة الفضل على زوجها وأولادها وأمّ الذهبي الفم أشهر من نار على علمَ  ليبانيوس رئيس المدرسة الأنطاكية  الوثني بخصالها أبدى إعجابه  بنساءِ المسيحيين وأمّ ثيودوسيوس مشهورة أيضاً كان زوجها صاحب أملاك واسعة شاسعة شفاها بطرس الغولاطي الراهب في أحد أديرة جوار أنطاكيا فكرست نفسها للديانة وتحملت مسألة المؤن في الأديرة العديدة في منطقة أنطاكيا ورفضت الحبل ولكن زوجها خشي على الثروة وطاف على الرهبان لإقناعها بالحبل فقال لها الراهب مكدونيوس ستحبلين بعد سنتين وتنجبين الولد فقالت إنها لا تريد الحبل ولكنها حبلت وأنجبت الولد الذي صار راهباً بعد أن وزع أمواله الطائلة على الفقراء فا أوغسطين مشهور بتأثير أمه عليه وغريغوريوس بالاماس مشهور بتأثير أمهِ عليه والسلسلة كبيرة جداً، الأمُّ هي التي تضع الأسسَ الأولى في التدين بحياةِ الطفل متى صار الطفل في الست أو السبع سنوات بدون دين تابع حياته في الكفر والزندقة فلذلك علينا أن نعتني جداً بالأمهات والأطفال لعل الله ينعم على كنيستنا بجيشٍ من المتبتلين والاكليريكيين لنحيا في ظلهم حياة مقدسة بمجد الله آمين .”

انتقال المطران يوحنا الى الأخدار السماوية

وقد نعاه  تلميذه غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر بالبيان البطريركي التالي:

“المطران يوحنا منصور في ذمة الله

على رجاء القيامة والحياة الأبدية، ينعي البطريرك يوحنا العاشر بطريرك أنطاكية وسائر المشرق المطران يوحنا منصور، متروبوليت اللاذقية وتوابعها، المنتقل إلى رحمته تعالى صباح الثالث من نيسان 2018

المسيح قام حقاً قام”

المطران يوحنا في ذمة الله
المطران يوحنا في ذمة الله

جنازة المطران يوحنا منصور

ترأس غبطة ابينا بطريرك أنطاكية وسائر المشرق يوحنا العاشر الخميس 5 نيسان 2018صلاة الجناز لراحة نفس علمنا مطران اللاذقية وتوابعها يوحنا منصور في كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية – اللاذقية، بمشاركة السادة المطارنة سابا إسبر(حوران)، جاورجيوس أبو زخم (حمص)، باسيليوس منصور(عكار)، أفرام كرياكوس(طرابلس)، أنطونيوس الصوري (زحلة)، ونقولا بعلبكي(حماة)، والأساقفة: أثناسيوس فهد(طرطوس)، ديمتري شربك(صافيتا)، إيليا طعمة(مرمريتا)، كوستا كيال(دير النبي الياس شويا البطريركي)، غريغوريوس خوري(الامارات)، ويوحنا بطش( المعاون البطريركي وهو المدبر البطريركي للابرشية المترملة)، ولفيف من الآباء الكهنة والشمامسة والرهبان والراهبات

حضر صلاة الجنازة ممثل الرئيس بشار الأسد محافظ اللاذقية السيد اللواء إبراهيم خضر السالم، ممثل غبطة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيادة المونسنيور أنطون ديب، وسيادة مطران حمص للسريان الأرثوذكس سلوان نعمة، وشخصيات روحية إسلامية كثيرة، أعضاء مجلس الشعب والحكومة الارثوذكس، وعدد كبير من الشخصيات العسكرية والامنية والفعاليات المختلفة من الاديان والطوائف والمذاهب كافة، ووفد عسكري روسي قيادي من قاعدة حميميم، وحشد كبيرمن أبناء الأبرشية.

وكان الجثمان قد سجي في الكنيسة لمدة يومين، وسط الصلوات على وقع قرع الأجراس والتراتيل التي أدتها جوقة الأبرشية وقراءة فصول من الانجيل المقدس كالعادة، مع توافد الجماهير الباكية لالقاء نظرة الوداع الأخيرعلى هذا الراحل الكبير باني النهضة الروحية اللاذقية.

تأبين غبطة البطريرك يوحنا العاشر

وألقى غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر عظة في معلمه الراحل الكبير اشبه ماتكون ببشرى الانجيلي يوحنا شفيع الاثنين معاً او ميامر القديس الدمشقي يوحنا مجرى الذهب فكانت هذه العظة التأبينية نهر لاهوت يفيض حباً ووفاء للمعلم وباني النهضة قال فيها:

“أيها الأب الحبيب يوحنا، أيها الراحل الكريم، انطلق وامض إلى معشوقك الذي أحببت كل أيام حياتك. أنت ماض إليه، وهو يسمعك صوته العذب قائلا: “نعماً لك أيها العبد الأمين، لأنك كنت أميناً في القليل، فاليوم أقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح ربك”. لقد عرفتك منذ خمسين سنة ويدك مشدودة إليه وإصبعك، متمثلا شفيعك، دال عليه ولسان حالك: هذا هو فاتبعوه. كنت تمحي أنت ليزداد هو. من تحنان الله أتيت إلى كنيسته، فاسمك في العربية يعني “حنان الله”، اختبرت الحياة معه أولا في بيتك وفي كنف عائلتك وكنت في طليعة أولئك الشباب الذين سلموا قلوبهم للروح فأسسوا حركة الشبيبة الأرثوذكسية، وأنت في تَفَتُحِ فتوتك. فكنت تقضي أيامك بين التعليم والرياضات الروحية متنقلاً من قرية إلى أخرى. ومع تذوقك حلاوة العيش في حضرة ربك، اختطت البتولية تكرساً كاملاً له، وانتهجت السيرة الرهبانية سبيلا إليه…”

وأضاف: “ذهبت بصحبة رفاقك في الدرب إلى دير مار جرجس الحرف لكي تعيدوا إلى الحياة، الرهبنة التي انقطعت بسبب من أثقال تاريخنا القاسي في هذا الشرق. وعلى جبل عال من جبال لبنان، اخترت مع رفاقك عيشة الرهبنة، وفي الشظف والفقر والنسك، بدأتم بتأسيس الشركة الديرية. هناك في البرية استعذبت عشرة الله، مجتهداً في طلب خلاصك، ومكتفياً بربك، وبه وحده فقط. ومن هناك ساهمت في إنشاء رهبنة دير مار يعقوب الفارسي المقطع في دده الكورة للأخوات الراهبات. غير أن حبك له سرعان ما انعكس فيك حباً لأبنائه، فدعاك إلى السعي وراء خلاصهم هم أيضاً، فاقتفيت أثر آباء كبار في كنيستك الأنطاكية، كالذهبي الفم وباسيليوس الكبير، فانتقلت من العيش في البرية إلى العيش في وسط العالم، غير أنك نقلت معك حياة الصلاة وعيشة الزهد والروح البشارية الحارة باذلاً ذاتك، بالكلية، لخدمة شعب الله وتثقيفه وترقيه…”

وتابع غبطته بالقول لمعلمه المسجى:”…عرفتْ كل من كورة لبنان الخضراء، وهذه المدينة المباركة معظم أعمال جهادك وأتعابه، في سبيل حفظ الأمانة المقدسة، التي استودعتها يوم رسامتك الكهنوتية. كنت أسداً في دفاعك عن الشرعية الكنسية إبان الأزمة التي عصفت بكنيستنا في ستينيات القرن الماضي. ما وَهنتَ مرةً، وما أعاقتك الإهانات ولا العوائق الكثيرة التي وُضعت في دربك خصيصاً لإضعافكْ. في تلك السنوات الأربع، أطلقت في هذه الأبرشية نهضة روحية ما لبثت أن امتدت لتغني الكثيرين بالحياة الفضلى والسيرة الفاضلة. يشهد كرسي هذه الكاتدرائية على الساعات الطويلة التي كنت تتكىء إليه خلالها، واقفا متقبلاً اعترافات المؤمنين التائبين. كما يشهد بابها الملوكي هذا على العظات المغذية للنفس التي أطلقتها منه زوادة للنفوس…”

نظرة الوداع من غبطة البطريرك يوحنا العاشر للمطران يوحنا
نظرة الوداع من غبطة البطريرك يوحنا العاشر للمطران يوحنا

وتابع غبطته مقرظاً الراحل الكبير:”…بذرت في أجيال عديدة محبة الله وخليقته، وغذيت المئات، لا بل الألوف، بكلامك البسيط المليء بفرح الرب، وبإرشادك الروحي العميق. فكان لأتعابك في حراثة حقل الرب واهتمامك بتربية شعبه أن تثمر عشرات من رؤساء الكهنة والكهنة والرهبان والراهبات، عدا عن الكثيرين من المؤمنين، أفراداً وعائلات، ممن ساهموا بدورهم في إكمال مسيرتك ورعاية شعب الله، حتى ليكاد من صاروا، بفضل من تربيتك ومثالك، أساقفة، يشكلون نصف المجمع الأنطاكي الحالي، ومنهم ضعتنا الماثلة أمامك بوقار.”

أضاف غبطته:” في هذه الأبرشية التي لا تزال نار الحب الإلهي متأججة فيها بفضل نفس خدمتك لها، فيذكر من جايلوك، ويذَّكرون الجيل الجديد، بكم الجهد والأسفار والعرق الذي بذلته من أجل استعادة المرحلة الثانوية في الكلية الأرثوذكسية، واسترجاع بستان المطران، ومثابرتك الدؤوبة، عشرين سنة، على تتبع وارثي الدار الكبيرة الملاصقة للمطرانية إلى بلاد الاغتراب في الأميركيتين، إلى أن نجحت وسجلتها للوقف. إلى جانب الكنائس الكثيرة التي نثرت في هذه الأبرشية مدينة وريفاً، والأوقاف العديدة التي بنيتها، والأراضي التي ما كانت قد وهبت لولا ثقة الناس بطهرك الفواح، ونشدانك لمجد الله وعزة كنيسته فقط…”

وتابع غبطته: “…حيثما حللت كنت تبث وهج محبة الله والحياة الحق النابعة من عشرته. كم كنت تفرحنا حينما تقرأ علينا، أيام كنت كاهنا، ما قد نسخته على دفتر جيبك الصغير من أقوال آباء الكنيسة الروحيين. في ذلك الزمان، كنت الكتاب لمحبي الله حينما لم يكن الكتاب الروحي متوافراً. ما بارحك هذا العشق الإلهي يوماً، وما بدء أسقفيتك الطويلة السنين بإنشاء دير للراهبات، واختتامها بآخر للرهبان إلا علامة دامغة على معرفتك الأصيلة والحية للتقليد المسيحي. ولا أنسى يوم قلت في تدشين كنيسة دير سيدة بلمانا: “الآن يمكنني أن أقول، الآن تطلق عبدك يا سيد بسلام”. وكنت تتابع بكل دقة واهتمام مراحل العمل بكل أشكالها الروحية والرهبانية والمالية وسواها

وأردف: “يؤكد من عرفك أنك قد ضاعفت الوزنات المعطاة لك على أفضل وجه. أما وجهك الباش الوديع وبلاغة تواضعك وبسمتك العذبة في أثناء خدمتك للقداس الإلهي بشكل خاص، فمحفورة بعمق في ذاكرة أجيال كثيرة. سر قبولك لعطايا الله عظيم يا أبي، وهو سر فرحك الدائم وسلامك المطمئن دوماً. لقد نحتك تواضعك آنية خزفية، قابلة للمعطوبية، لكن ربك ارتضى أن يضع فيها الكثير من نعمه. بعدما اقتبلت بكل رضى كل شيء من لدنه، صرت، في شيخوختك الوقورة، مصدر بركة للكثيرين من أبناء وبنات الله…”

وقال: “…إذا ما استذكرنا غيضاً من فيض إسهاماتك الروحية، فنحن لا ننسى مواقفك الوطنية والتي سجلها التاريخ خلال خمسين عاما في الدفاع عن سورية وقضاياها، وعن كلمة الحق في كل المجالات وفي كل الأوقات. ولا ننسى دورك في الحفاظ على أطيب العلاقات مع كل أطياف هذا المجتمع مسلمين ومسيحيين، فكنت واحداً ممن التحموا بحق مع كل أطياف هذا الشعب، وشدوا أواصر لحمته بإعلاء كلمة الحق ومد جسور اللقيا والأخوة والحوار والانفتاح سبيلا للنهوض بالوطن…”

أضاف غبطته:”…ثمة من يرحلون بصمت دونما أثَر، أما أنت فتغادرنا مطمئناً لأن الشتلات التي زرعتها نمت وصارت شجرات وارفة الظلال. منحك ربك سنين كثيرة ولم يشأ أن يخطفك إلى مجده إلا بعد أن أتممت الرسالة بأفضل ما يمكن، وانتشر تلاميذك وأبناؤك حتى إلى أستراليا وإلى أقاصي الدنيا مذيعين بشرى المسيح السارة في أصقاع الأرض…”

وتابع موجهاً تعزيته الى رعية اللاذقية المترملة بوفاة راعيها الكبيربقوله:

“…نعزيكم أيها الأحباء، أبناء أبرشية اللاذقية وتوابعها إكليروساً وشعباً، نعزيكم باسم آباء المجمع الأنطاكي المقدس وكل أساقفته، ونعزي كل أبنائنا في الكرسي الأنطاكي.”

ثم قال للراحل الكبير:”… سيدنا يوحنا، وأنت، من اليوم، في الملكوت السماوي، تسجد مع شيوخ سفر الرؤيا أمام عرش الرب، وفي غمرة أنواره، لا تنس أن تقدم مع بخور صلواتك السماوية، أبناءك وبناتك ورعية الله التي تركتها في هذه الأبرشية. صل من أجلي ومن أجلنا جميعاً ومن أجل كنيسة أنطاكية، صل من السماء مع الملائكة القديسين من أجل أخوينا مطراني حلب بولس يازجي ويوحنا إبراهيم، صل من أجل السلام في كل العالم ومن أجل سلام سورية وأمنها واستقرارها.”

وختم:”…امض أيها السيد وامكث مع الناهض من بين الأموات والذي داس الموت وقام ليقيمنا معه. نرى في وجهك يا سيدنا وداعة حاملات الطيب ووهج وجه يوسف المتقي. وبشوقهم للقيامة يحلو لنا أن نستبق الفصح المجيد ونطرق وإياك عتبات القبر السماوي ونتلمس من الخميس العظيم نور القيامة صارخين: المسيح قام، والموت تلاشى، المسيح قام وعبراتنا عليك معجونة بفرح القيامة، المسيح قام وموتك مسلك نور، المسيح قام ولاذقيتك تودعك بعبق صلاتك وعرفان وصلاة أبنائك، المسيح قام وأنطاكية كلها تشهد لك شاهداً وشهداً من أصالة إيمانها، وأنهي بما كنت أسمعه منك بشكل متواصل وبما كان عزيزاً على قلبك وبما علمتنا أن نردده مستذكراً قولك: “قولوا هذه الصلاة في نصف النهار: سمر خشيتك في أجسادنا ولا تمل قلوبنا إلى أحاديث أو إلى أفكار شريرة، بل بشوقك اجرح نفوسنا” (إفشين الساعة السادسة)، وأستذكر أيضا ما كنت تردد وتقول من سفر نشيد الأنشاد: “…في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته، فطفت المدينة وبحثت عنه حتى وجدت من تحب نفسي فأمسكته ولم أرخه حتى أدخلته بيت أمي” (نشيد الأنشاد 3: 1-4) فأنت الآن تمسك به وهو يقيمك في قلبه فتفرح إلى الأبد، آمين.”

كلمات أخرى
وفي نهاية الصلاة، كانت كلمة للرئيس الأسد ألقاها باسمه محافظ اللاذقية، وكلمة للبطريرك الراعي ألقاها المونسنيور ديب. ثم نقل الجثمان إلى دير سيدة بلمانا حيث ووري في الثرى.

الخاتمة

المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها
المتروبوليت يوحنا منصور راعي ابرشية اللاذقية وتوابعها

كما اسلفنا في مقدمتنا وكما قال غيرنا عنه ونحن بشهادتنا لانضيف جديداً انما نؤكد في بحثنا هنا عنه أن علمنا المطران يوحنا منصور من الرواد الانطاكيين في العصر المعاصر، فقد تابع البناء الذي قام به اسلافه وقد عمل بصمت وتواضع، وأنتج نهضة لاذقية ارثوذكسية سجلت له بامتياز، وأصابت اللاذقية كما أصابت كل الابرشيات التي تولاها تلاميذه ممن ذكرنا في مقدمتنا لهذا البحث، نحن لم نأت بجديد فما عمله هذا البار الذي كان كالملاك الصامت الراهب الحكيم يتحدث بصمته عن كبريات الامور الذي كان في المجمع الانطاكي كما يقولون عنه لايتكلم الا في موضع الكلام وفي حال تكلمه كان ينطق بالصواب.

ذكرياتي عنه

علاقتي بهذا البار كانت من خلال بعض الخدمات التي كنت قد قدمتها لأبرشيته المحبوبة منذ توليه سدة المطرانية وقد تزامن ذلك مع انتقالي الى موقعي الوظيفي الجديد في رئاسة مجلس الوزراء، وهي اي موقع رئاسة الوزراء بموجب القانون السوري هي المتولية لشؤون الاديان غير المسلمة، ويعد رئيس مجلس الوزراء هو وزير الاديان غير المسلمة، وينظر في احتياجاتها لصالح مشاريعها الكنسية والخيرية والوقفية ويوافق(اولايوافق) وفق القانون، الامر الذي مكنني من تقديم الخدمة المطلوبة لكل مشاريعنا الكنسية سواء في المقر البطريركي بدمشق وفي بقية الابرشيات وللجميع ايضاً من الكنائس الشقيقة، وبكل ضمير مرتاح، وكل ذلك ضمن دائرة القانون ووفق الاصول، ممالامجال هنا لذكره فهو ليس للتفاخر لأن الله يرى ويكافىء، لاسيما بالتالي ان المجالس بالأمانات. ولكني هنا لجهة علمنا مثلث الرحمات المطران يوحنا كنت اخجل من شدة شكره لي هاتفياً عندما ابلغه بصدور الموافقات المطلوبة، أووجاهياً عندما التقيه في دار البطريركية، وكنت أخجل من دعوته لي باستمرار لزيارة اللاذقية والحلول ضيفاً مع عائلتي إما في دار المطرانية او في فندق النور الذي كان من الصروح المتميزة ومطرح حكي الناس وإعجابهم به كصرح لاذقي خاص سياحي متميز وقتئذ…

وكما يعرف الجميع كنت أتفانى في الخدمة لدار البطريركية ولسائر الابرشيات السورية لجهة الحصول على الموافقات اللازمة من اجل مشاريع تراخيص الكنائس ومايلزم لبنائها، وأُسعد لذلك جداً كما يتذكرني الكثيرون من الشمامسة والآباء في حينه وصاروا مطارنة اليوم… وكنت كذلك ايضاً كما اسلفت، لكل الكنائس الشقيقة مما قد يتذكره ويعرفه رؤساؤها وآباؤها… ماذكرته هنا لم يكن إلا من باب الوفاء لهذا العَلَم الارثوذكسي الروحاني الكبير والمتواضع بآن والصامت الذي ينضح الايمان من صمته وافعاله وكان يسحب يده بكل تواضع حتى لااقبلها ويلفني ويغمرني بقبلاته الثلاثية…

من محاسن سعدي ذات مرة وكنت في دير القديس جاورجيوس في لقاء شبابي ولم اتمكن من حجز بطاقة عودة الى دمشق، وكان هو من المحاضرين، فعرف بذلك من سائقه فقال لي بالحرف:” يا استاذ جوزيف هل تحتاج الى دعوة لتركب بسيارتي التي كنت وراء حصولي على نمرتها الصفراء؟ تفضل نتشرف بك انا نازل على البطركية ومافيها منية تفضل.” فخجلت اشد الخجل من هذا الاطراء،وقد رافقته، وكانت تلك الفترة سانحة متميزة حسدت نفسي عليها،فجلست عن يساره في المقعد الخلفي، وتزودت منه بجرعة من الايمان الارثوذكسي الحار من معلم إيمان نادر، وجرعة من المحبة الالهية والحكمة اودعها الله في نفس هذا الكبير رحمة الله عليه مما حدثنا به على ما اذكر ان بعض خريجي البلمند كانوا يفضلون الزواج قبل رسامتهم كهنة فقال لي: “واين الصلاة في حياتنا؟ الا تقينا العثرات؟”

رحمات الله عليك ياسيدنا يوحنا.

كتب احد عارفيه الذكرى التالية عنه وانا انقلها بالحرف بعد بضعة من التنقيحات اللغوية وهي التالية
“…واسمحوا لي باختصار أكثر أن أروي لكم من حكمته هذه الحادثة أيام كان رئيساً لدير البلمند في الحرب الأهلية اللبنانية قبل أن يصبح مطرانا على اللاذقية حيث كان المسلحون يهاجمون بشكل فوضوي غير مسبوق كل مكان وكانوا يدمرون ويحطمون ويحرقون ويقتلون الجميع بدون وازع من ضمير.

وصل هؤلاء المسلحين إلي دير البلمند ليحرقوه ويدمروه ويقتلوا من بداخله لأنهم شكّوا أن أعداءهم مختبئين بداخله داخل الغرف، وحين وصلوا الى باب الدير الخشبي الكبير وارادوا تحطيمه وقف رئيس الدير علمنا الارشمندريت يوحنا منصور أمامهم وخاطبهم مناشداً إياهم بقوله: “أرجوكم إسمعوني، لاتحطموا الباب، أنا سأفتح لك باب الدير على مصراعيه لتدخلوا وتفتشّوا الدير كما تريدون وسوف أمشي أمامكم، ضعوا اسلحتكم في ظهري، وسأفتح لكم الغرف كلها بيدي، فإن وجدتم أحداً من اعدائكم مختبئاً فيها اقتلوني أنا قبل أن تقتلوه، وبهذا نكون قد أنقذنا الدير من الدمار.”

فاستجابوا لمناشدته وفتشّوا غرف الديروكنيستيه، ولما لم يجدوا شيئاً اعتذروا منه وخرجوا متعظين بحكمته التي كانت سبباً في إنقاذ هذا الدير العريق من الحرق والتدمير والقتل.

هكذا كان مثلث الرحمات المطران يوحنا منصور “ملاك اللاذقية الراهب الصامت” يعمل ويثمر دون أن يتكلم…كان قديساً على الأرض…
لو أردنا أن نعدد ماأنجزه من كنائس وأديرة وما وهب برساماته للأبرشية من رهبان وشمامسة أصبحوا اليوم كهنة ومطارنة وبطريركاً، مما جعل رعايا هذه الأبرشية الغالية تعتز وتفتخر براعيها المنتقل، فهنيئا لنا بهذا الإكليروس العظيم وأنت ياصاحب السيادة وإن رحلت ستبقى معنا إلى الأبد واذكرنا بصلواتك.

المسيح قام وذكرك باق الى الأبد.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *